في الثامن عشر من أبريل/ نيسان الماضي، مُنح أنيل بويرول والمصور فرانسيسكو فرنانديز من الزميلة مجلة أريبيان بزنسArabian Business الإنجليزية فرصة الوصول إلى صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة. ومن مكتب سموه إلى مخيمه في البر الذي يبعد 100 ميل عن عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض قاما بتسجيل كل حركة وتفاعل للأمير بالكلمة والصورة.

وفي ما يلي تفاصيل غنية وخاصة بأريبيان بزنس ليوم في حياة أغنى وأشهر رجل أعمال عربي ينقلها أنيل بويرول:

يختلف تأثير الصحراء على الناس من شخص لآخر، فمنهم من يخاف الفراغ ومنهم من يخاف الوحدة ومنهم من لا يصمد أمام رياح الصحراء العاتية، أما الأمير الوليد الذي يملك القدرة على أن يكون مدهشا وفريدا في أي عمل يقوم به فهو يعيش في الصحراء بتآلف وانسجام مع البيئة التي تحيطه.

بعد الساعة الثانية من فجر يوم الخميس الموافق 19 أبريل، وبعد سلسلة اجتماعات قام بها الأمير الوليد استمرت لأكثر من 12 ساعة، قمت مع المصور فرنانديز بتحضير أنفسنا لمغادرة مخيم سمو الأمير في البر الذي يبعد 100 ميل شمال العاصمة الرياض، حيث كان يوماً طويلا ومذهلا وحافلا بالتحدي، ولكن كان أيضا يوماً متعبا وكنا سعداء بإنتهائه.

"إلى أين أنتم ذاهبون؟" سألنا الأمير الوليد، "إلى البيت" أجبته. "يجب أن لا أتأخر عن رحلة العودة إلى دبي، والمسافة طويلة من هنا إلى المطار". بدا مذهولا وقال: "لكنها ما زالت الساعة الثانية فجرا، لم ينته اليوم بعد. يمكنك أن تعيش حياتك بسرعة 120 ميلاً في الساعة، وهذا أمر جيد، ولكنه ليس كاف، إلا إذا عشته بسرعة 150 ميلاً في الساعة، عندها سيمر العالم من أمامك بسرعة".

بعد لحظات وصل مساعدوه معهم ملفات ووثائق ستأخذ من سموه ساعتين لقراءتها وتحتاج اهتمامه الفوري. بعد ذلك يستطيع مزاولة رياضة المشي التي تستغرق ساعة من وقته ويقوم بها حول واحته في منتصف الصحراء، ومن بعدها يخلد إلى النوم في تمام الساعة الخامسة فجرا بعد أداء صلاة الفجر.

خلال يوم واحد، سجلت عدد 573 شخص التقى بهم سمو الأمير الوليد، وجاوب على أكثر من 200 اتصال هاتفي، وأرسل ما لا يقل عن 100 رسالة نصية، وقرأ كمية هائلة من الأوراق، والصحف والمجلات والوثائق الرسمية.

إنه روتين يومي مدهش واظب عليه الأمير خلال 25 عاما. وتعتبر هذه من الفرص النادرة التي سمح فيها سموه للعالم الخارجي بالإطلاع على عالمه الخاص.

---

الأربعاء 18 أبريل

1:15 ظهرا في مركز "المملكة القابضة"، الرياض

عندما تذهب للقاء أمير، هناك أمر يثير الإطراء حول التجربة حيث أن الجميع يتوقعون حضورك، ويعرفون إسمك والهدف من زيارتك. كما أن الجميع يعلمون أنه عندما تتوجه إلى الطابق السادس والستين من برج المملكة، فهناك رجل واحد ترغب بلقائه.. صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال. فبمجرد أن فتح باب المصعد عند الطابق السادس والستين، استقبلنا أحد مساعدي الأمير.أخبرنا أن سمو الأمير سيلتقي بنا في تمام الساعة الثانية. في هذه الأثناء قمنا بجولة حول المكاتب الرئيسية التي تدير إمبراطورية سمو الأمير التي تفوق الـ20 مليار دولار. وكنت قد سمعت أن الأمير مدمن أخبار، واثبت لي ذلك الأمر مباشرة حيث لاحظت وجود 3 شاشات تلفزيونية في ردهة الاستقبال، و16 شاشة في غرفة الاجتماعات المجاورة كل منها تبث أخبارا مباشرة من جميع أنحاء العالم. كل ما كان يحدث في العالم، من أسعار السوق في طوكيو إلى مجزرة جامعة فرجينيا تيك، يحتاج الأمير معرفتها على الفور. وحوائط ردهة الإستقبال تزينها أرفف تعرض كتبا عن الأمير الوليد، وأغلفة لمجلات حظيت بلقاء مع سموه، وجوائز، ونصب تذكارية، إضافة إلى صور لسموه مع قادة العالم. من الواضح أنه حين يتكلم الأمير ينصت العالم وتتحرك أسواق الإستثمار ويتأثر الملايين بطريقة أو بأخرى.

على الورق تتألف الإمبراطورية من 42 استثمارا في 10 قطاعات تشمل شركة "أبل" للكومبيوتر، و"سيتي غروب"، وسلسلة فنادق ومنتجعات "فورسيزنز"، وشركة "نيوز كوربوريشن"، ولكن في الواقع تأثير الأمير يفوق ذلك بكثير. صاحب صفقات عالمية، ووسيط سلام دولي، وصاحب المبادرات الإنسانية حول العالم - فلا يمكن أن يخطر في بالك شيء لم يسبق على سموه القيام به أو بصدد القيام به. إنه أغنى وأشهر وأقوى شخصية عربية وبفارق كبير.

وفيما يقترب موعد اللقاء، شعرت أنا والمصور فرنانديز لأول مرة في حياتنا المهنية بتوتر إزاء المهمة التي تنتظرنا.

الساعة 1:40 بعد الظهر

انتهت جولتنا القصيرة وأتت بعدها إحدى مساعدات الأمير لتخبرنا أنه سينضم بعض الأشخاص لنا أثناء إجراء الحوار. فتعجبت من ذلك: "ظننت أننا سنجري حوارا خاصا؟" فأكدت لي ذلك الأمر قائلة: "هي فعلا كذلك، ولكن للأمير الوليد فريق خاص به يقوم بتصوير كل اجتماعاته كجزء من توثيق حياته، يجولون معه في مختلف أرجاء العالم ويصورون كل شيء، ولقاء اليوم لن يستثنى من هذه القاعدة".

بعد لحظات، ظهر فريق التصوير التابع لسمو الأمير (مصوري كاميرا فيديو ومصوري كاميرا فوتوغرافية) لا ينطقون بكلمة ويلبسون ثيابا أنيقة ويحملون معدات متطورة. توقعنا أنهم كانوا يعملون مع محطة الـ CNN وعلى الفور شعرنا بالقلق (والغيرة) حيث أن معداتنا متواضعة وتشمل مسجلة صوت من صنع شركة سوني، ودفترا لتدوين الملاحظات، وكاميرا من صنع شركة نايكون.

الساعة 1:50ظهراً

يختفي فريق التصوير داخل مكتب سمو الأمير للتحضير، وطلب منا الانتظار والانتظار والانتظار، عشر دقائق، عشرون دقيقة، نصف ساعة. طمأنتنا أحدى العاملين لدى سموه: "الأمير رجل مشغول جدا، ولكن أعدكم انه سيلتقي بكم اليوم". ولقتل الوقت سألتها عن البوروتوكول المتبع عند مخاطبته؛ هل أقول الأمير أو سمو الأمير؟ فكان الجواب "سمو الأمير".

---

الساعة 2:30 ظهراً

ما زلنا ننتظر، ونحن نبعد أقل من 10 ياردات من مكتب سموه، وينفتح الباب بين الفينة والأخرى، فنستطيع أن نسمع صوته أو نسترق نظرة خاطفة له ولكن لم يحن الوقت للقائه بعد.

الساعة 2:54 ظهراً

بدون سابق إنذار حان الوقت. قيل لنا: "تفضلوا بالدخول بسرعة". وهكذا دخلنا إلى مكتب الأمير الوليد الخاص، مكتب يشبه معظم مكاتب برج المملكة، شاسع جدا ومليء بالجوائز والنصب بالإضافة إلى صور تجمعه مع قادة العالم. خلفه حائط مليء بشعارات جميع الشركات التي يمتلكها سموه أو يمتلك حصة فيها. وليس فقط الاستثمارات الرئيسية الاثنين والأربعين مثل "نيوز كوربوريشن"، بل أيضا متفرعاتها مثل "ذي صن" و "سكاي نيوز" و"فوكس نيوز".

الأخبار، مثل أي مكان في العالم، كانت العنصر المهيمن. يوجد إلى يمين مكتبه 9 شاشات تلفزيونية تبث أخبارا مباشرة من جميع أنحاء العالم وشاشة أصغر حجما إلى يسار مكتبه. يصافح بحرارة بطريقة استفسارية. بدأنا نشعر فوراً بأننا قاطعنا يومه وجدوله وحياته المليئة بالأشغال. جلس على كرسيه وبدأ يقلب في المحطات التلفزيونية أمامه، وأرسل بعض الرسائل النصية من هاتفه الخليوي "الموتورولا"، وينظر إلينا بين الفينة والأخرى بينما فريق التصوير يجهز بسرعة الكاميرات والمايكروفونات ليسجلوا كل لحظة وخلفهم 4 من المسئولين التنفيذيين من مكتبه.

الكثير يدور من حوله فسألته كيف تتمكن من مواكبة كل ما يجري في آن واحد، قال: "إنه سؤال مهم وعميق جدا، هل أنت واثق أنك تريد أن تطرحه الآن؟"

لا يريد الإجابة عليه، فانتقلت إلى أسئلة أخرى خفيفة متعلقة برحلته في الطائرة النفاثة حول موريشس (حيث يمتلك فندقين).

شاهد المزيد من الأخبار، أجاب على اتصال هاتفي، وأرسل رسالة نصية أخرى، وبدأت العملية من جديد. كيف يمكن مواكبة كل ما يدور من حولك؟

أجاب الأمير: "عليك أن تثق بالناس، وأن تجعلهم أهل للثقة والاعتماد، إن عملوا جاهدين وتفوقوا فيجب أن تكافئهم، وإن لم يتفوقوا فتنهي عملهم، لذا فلا مجال للخطأ في عالم الأعمال".

---

بدأت نبرة صوته بالارتفاع، وبدأت الكلمات تخرج بصورة أسرع فأسرع. "إجراءات التوظيف لدينا صعبة ومرهقة، وعليك أن تمر بعدة مراحل، نحن مجموعة عمل صغيرة ولكن أريدها أن تكون متفوقة في طريقة التفكير. إن الحصول على وظيفة هنا صعب جدا. نحن نحلل، ونبحث، ونجتمع مع المرشح مرة ومرتين وثلاثة. يجتمعون مع طبقات الإدارة المختلفة ومن ثم يلتقون بي... لا مجال لامتطاء السلطة بسهولة هنا".

هذا الأمر لا شك فيه. يستقبل اتصالا هاتفيا آخر، ورسالة نصية أخرى ثم سؤال: رغم عملية التوظيف المعقدة هذه، لا بد أنه كانت هناك أخطاء؟

"بالإجمال لا، معظم الأشخاص الموجودين هنا يعملون منذ سنوات، ولكنك أحيانا توظف بعض الأشخاص الذين تعتقد أنهم سيؤدون مهامهم جيدا، وفي حالات نادرة يعجزون عن القيام بالمهام المناطة بهم على الوجه المطلوب، فإما أن نستغني عن خدماتهم أو ينهارون ويغادرون. إنه وضع يفرض الكثير من الضغط، ليس سهلا ولا يستطيع أي شخص أن يعمل هنا معنا. لدينا بيئة جيدة وتناغم إيجابي، ولدي علاقة جيدة مع كل موظف وموظفة هنا ".

يعمل في شركة المملكة القابضة 30 موظفا فقط وفق دوام كامل، نصفهم سيدات. الأغلبية يعملون معنا منذ سنوات، وهي قاعدة يبدو أنها نجحت وأثمرت حتى الآن.

وفيما انخفضت أسعار أسهمه المتداولة في السوق السعودية من ضمن انخفاض الـ 60 % الذي شهده السوق العام الماضي، إلا أن حصته في شركات أخرى مثل مجموعة "سيتي غروب" و"نيوز كوربوريشن" تستمر في مسيرة مثمرة حتى الآن. وفي الوقت الذي رأى البعض أنها مجازفة خطرة في وقتها، إلا أن استثمار 590 مليون دولار في عام 1991 في مجموعة "سيتي غروب" شكّل حتى الآن نصف ثروته المكونة من 20 مليار دولار. وبرأيه فإن حقيقة الأمر تنطلق من فكرة تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.

والآن الخطوة المقبلة هي أفريقيا، إذ يصف الأمير الوليد القارة على أنها "ما زالت نائمة" ولكنه كشف أنه حقق عوائد تتعدى الـ 120 % في ما يتعلق باستثماراته هناك.

إن كان هذا الأمر صحيحا، فلم لا يقدم آخرون على الاستثمار هناك أيضا؟

"يوجد فكرة نمطية منتشرة خاطئة... صحيح أن هناك بلدين أو ثلاثة تعاني من عدم الاستقرار في أفريقيا، ومن هنا فالعالم أخذ هذه الفكرة الخاطئة وطبقها على القارة الأفريقية بأكملها. لا نختلف على أن بروندي وزيمبابوي يعانيان من مشاكل، ولكن السنغال مثلا مستقرة ومثلها غانا وكينيا وأوغندا وزامبيا وأنغولا". ويضيف سموه: "هل تعلم أن 95 % من دول القارة الأفريقية لا يعانون من مشاكل أمنية أو سياسية ومن المحتمل أن العالم لا يرى هذه الحقيقة".

يعد الأمير الدخول في أفريقيا من خلال ثلاثة محاور، أولا من خلال استثمارات شركة المملكة للإستثمارات الفندقية ومقرها في دبي، والتي أصبحت تمتلك الآن 10 فنادق في القارة السمراء. وهناك صندوق تمويل "شركة المملكة زفير لإدارة الاستثمارات في إفريقيا (كزام) Kingdom Zephyr Africa Management Company (KZAM)" الذي يستثمر في قطاعات غير فندقية وفي العادة لا تتخطى قيمة الاستثمار الواحد 100 مليون دولار. وثالثا والأهم هو مساهمات شركة المملكة القابضة التي يصفها على أنها ممول المشاريع الضخمة بأي حجم كانت على الإطلاق. ومن خلال هذه المحاور الاستثمارية الثلاث، تأتي أعماله الخيرية، ومنها تمويل مدارس وعيادات ومستشفيات وبرامج تلقيح في أفريقيا.

---

يقول سموه: " في أفريقيا تحتاج بعض الدول إلى مساعدة، هناك مثل صيني قديم يقول (لا تعلم الإنسان كيف يأكل السمكة فحسب، بل علمه كيف يصطادها ثم كيف يأكلها). يوجد دول لا تستطيع أن تتكفل بتعليم كافة الشعب، لذا فإن إستراتيجيتي تهدف لإطعامهم السمك إلى أن يتمكنوا من صيد السمك!".

يضيف: "ذهبت إلى النيجر منذ عدة سنوات حيث كانوا يعانون من المجاعة، وتبرعت ببعض الأموال لمدة عامين واستطعنا أن ننقذ مليوني شخص من الموت، معظمهم من الأطفال والنساء، والتكلفة كانت ضئيلة نسبياً، فأنا أتكلم عن 7 مليون دولار فقط. الآن انتهت المجاعة وسنتوجه إليها باستثماراتنا، إنه خير مثال على إعطائهم السمك ثم تعليمهم كيف يصطادون السمك".

إن عمل الأمير في أفريقيا فعلاً مذهل، رغم أن الأمير لم يشارك في برامج "أنقذوا أفريقيا" مثل حفلات "لايف 8 Live 8" التي نظمها المطرب الشهير بونو والسيد بوب غيدولف.

بدا الأمير مذهولا عند مجرد اقتراح المشاركة في هذه الحملات، وقال: "أنا شخصياً لا أؤمن بهذه الأمور واعتبرها أمور غير جدية، وأنا لا أحبذ الأمور الغير جدية. في رأيي هذه ألأمور ثانوية ولا أرى جدوتها، ولا يقنعني أي من هذا الكلام. ومن يحتاج فعلا للمساعدة لن يذهب إلى هكذا حفلات. أفريقيا تحتاج إلى استراتيجية كاملة ونحن نملكها".

يبدو أن الأمير شغوف فعلا بموضوع أفريقيا، إذ أن معظم الحوار الذي دار بيننا حتى الآن، تمحور حوله.

لم يتفقد الأخبار أو يرسل رسائل لأي شخص حتى الآن، ونبرة صوته بدأت ترتفع، هل يفتخر الأمير بهذه الأمور الإنسانية والخيرية أكثر من رؤية أسهمه ترتفع في الأسواق العالمية؟

"لا يتعلق الأمر بالافتخار، انه واجبي. الإسلام دين متطور جدا، تم تشويه صورته من قبل أقلية اختارت التطرف، ولكن الإسلام دين راق جدا. فالإسلام يرحب بالمسيحيين وكذلك اليهود وتستطيع نقل هذا الكلام عني. إلا أن مجموعة صغيرة استطاعت أن تخطف وتشوه صورة هذا الدين الحنيف. سأعطيك مثالا، الضريبة في الإسلام هي الزكاة وتعتبر إجبارية لأنها أحد أركان الإسلام الخمسة، وأنت مجبر على أن تخصص نسبة من ممتلكاتك إلى من هم بحاجة إليها، لذلك أنا لا أفعل هذا لأني أحب أن أفعله، بل لأني بحاجة وأحب أن أقوم به، لا بد على الأقل أن تساهم وتساعد المحتاجين، لا أحد يستطيع أن يقضي على الفقر ولكن يمكنك تحسين حياة البعض".

---

البعض الأقلية قد يختلفون فيما ساهم به الأمير لتحسين حياة الكثير من الناس وهو من قدم تبرع سخي لضحايا التسونامي وغيرهم الكثير ممن عانوا من نكبات طبيعية حول العالم. وفي الوقت الذي يؤكد فيه أهمية هذه الأعمال الخيرية والتبرعات الإنسانية، إلا أنه يبقي عينه الأخرى مفتوحة على عالم الأعمال. فخلال العام الماضي، كان الأمير بحاجة إلى أن يكون دقيقا أكثر من أي وقت مضى إذ خصص ما قيمته 3.9 مليار دولار ليشتري مجموعة فنادق ومنتجعات فيرمونت، فيما دخل في شراكة مع بيل غيتس لشراء سلسلة فنادق ومنتجعات الفورسيزنز، إلا أن أحد الأمور التي لم يستطع أن يحكم سيطرته عليها هو سوق الأسهم العالمي.

يشرح سموه:" أسواق الأسهم في المنطقة ما زالت في أولى مراحلها التكوينية وهم ما زالوا يتعلمون، وقد رأيتم الانخفاض الكبير الذي وصل إلى 60 % وشهدته الأسواق في العامين المنصرمين. وقد كنا قد حذرنا من ذلك قبل الانهيار، وذكرت حينها في إحدى الصحف الاقتصادية بأن هناك فقاعة وستزول. لذا فإن المستثمرون العرب ما زالوا يتعلمون".

ويكمل سموه: "إن المشكلة الأساسية التي يواجهونها في الشرق الأوسط والسعودية هي أن معظم المتداولين في السوق هم تجار، وليسوا مستثمرين للمدى الطويل يحللون السوق والشركات ويقومون بتحضيراتهم على الوجه المطلوب، فهؤلاء تجار يدخلون ويخرجون من السوق. بينما 95 % من متداولين العالم هم المتداولون المنهجيون والمتمرسون. وللوصول إلى هذه المرحلة سيتطلب الأمر وقتا."

هناك أمر واحد لم ولن يتغير وهو استراتيجية الاستثمار، منذ عام 1988 عندما حصل بموجب اتفاقية أبرمت في وقتها على أول حصة له في البنك السعودي التجاري المتحد، انتبه المراقبون إلى قدرته على ملاحظة الأصول غير المعلنة، حيث يستثمر فيها ومن ثم تحلق عاليا. وهذا أمر شرحه لنا الأمير الوليد: "إذا نظرت إلى الشركات، من سامبا إلى صافولا، أهم شركات غذائية في المنطقة، عقاراتنا، أنظر إلى سيتي غروب، وتايم ورنر، ونيوز كوربوريشن، فما هو القاسم المشترك بينهم؟ شيء واحد فقط، كلهم متفوقون في مجالاتهم ويشكلون القوة المسيطرة بل أصبحوا معالم معروفة، والأهم أنهم جميعهم كانوا في أسوأ حالاتهم عندما دخلنا واستثمرنا فيهم، وهذا أمر مهم جدا، لا تشتري شركة وهي في قمة أدائها".

ويضيف أيضاً: "إذا اشتريت شركة بقيمة 10 دولارات وارتفعت إلى عشرين فإن هذا أمر لا بأس به، ولكن إذا اشتريتها بـ 2 دولار وارتفعت إلى 20، فهذا ارتفاع 1000 %. لا يمكنك أبدا أن تعرف الحد الأدنى الذي يمكن أن تصل إليه سعر سهم الشركة. وهذا أمر مشترك في جميع الصفقات التي اشترينا أسهما بموجبها".

ولهذا السبب لديك هذا الكم من شاشات التلفزيون؟ تبحث دائما عن الأخبار السيئة؟

"للأسف عندما يكون هناك أخبار سيئة، يكون هناك فرص. وهي نعمة غير مستحبة لكنه الواقع. فعندما يبيع الجميع نقوم بالشراء. هذا هو الواقع. وبالطبع هناك التأثير العالمي، فبمجرد ما يبيع أحدهم تجد الجميع يبيع، وعندما يهم الآخرون بالخروج، نهم نحن للدخول".

إذا ما هي آخر القطاعات التي تناسب هذه المواصفات؟ يرفض الحديث عن الدخول في صفقة الايرباص التي يعاني مالكوها EADS من بعض المشاكل، قائلا "إنها قضية سياسية ولا أحب الدخول فيها".

وماذا عن شراء نادي كرة قدم؟

"ليس لدي وقت لأضيعه".

---

الآن بدأ الأمير يأخذ راحته في الكلام، رغم أنه تم إعلامه بأن لديه 7 دقائق لموعد الصلاة، دخلنا في عدة مواضيع بين الشرق والغرب، وقال :" أنا إنسان مسئول، ولا أضع أموالي في المصرف وأقول هذا كفاية، أنا أؤمن بأنه علينا إعادة ضخ هذه الأموال مجددا إلى المجتمع".

وعن فترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول يقول: "نحن الآن في فترة مستقرة"، رغم أن الولايات المتحدة ما زالت "تفتقد إلى سياسة محددة في العراق" على حد تعبيره.

ودخلنا في موضوع الإجازات.

ما هو مكانك المفضل لتمضية إجازة؟

بدا منذهلا.. "ماذا؟ أذهب في إجازة وأنام تحت أشعة الشمس؟ أشعر أنها تعطيل للطاقة الذهنية. لا إجازات مطلقا".

ثم ترجل الأمير عن كرسيه، قلّب قليلا في المحطات التلفزيونية، أرسل رسالتين من هاتفه، واستدار مبتسما. لأول مرة بدأت أشعر أنه مرتاح.

"أتدري، الوضع معي متشعب جدا، بإمكاني القيام بكل شي وفي نفس الوقت هناك متسع من وقت الفراغ لأقوم بما يحلو لي، أريد أن أستخدم كل دقيقة من وقتي بكل مهنية. تعال معي اليوم إلى الصحراء وسترى بنفسك".

في هذه اللحظة توجه الأمير إلى المصلى لتأدية صلاة العصر. الساعة الآن الرابعة بعد الظهر، لكن رحلتنا إلى حياة الأمير الوليد ما زالت في بدايتها".

فندق فور سيزونز، الرياض

6:45 بعد الظهر

"حسنا، سننتقل الآن إلى الصحراء، لا أعرف متى سنعود. ربما الثالثة فجرا أو الخامسة وربما الساعة السادسة فجرا لا أحد يدري،" يقول أحد التنفيذيين في مكتب الأمير.

يبدو المسؤول لدى سموه في هذه الأثناء قلقا من الرياح القوية التي كانت تعصف بالرياض. مبرراً أنه من الخطأ المغادرة الآن، لكن ومع ذلك وبعد ساعة وربع وصل جيب أسود أمام فندق الفورسيزونز، وانطلقنا.

8:20 مساء... 30 ميلا شمال شرق الرياض

نقود بسرعة فائقة، كلمات قليلة تم تبادلها ما عدا "إن الموضوع سيأخذ بعضا من الوقت". السفر على سرعة 160 كلم/الساعة بالظبط 89 درجة إلى الشمال من الرياض، وتوجهنا إلى داخل الصحراء. وعند الساعة التاسعة ومن بعيد رأينا سيارتي شرطة تضيئان ضوءيهما الأحمر. حان الوقت للانتقال من الطريق الصحراوي فعلا.

9 مساء ، الصحراء السعودية، شمال الرياض

عندما تدخل إلى الصحراء السعودية لا يوجد ما يسمى بالطريق الصحراوي، كل ما هو موجود هو صحراء فقط. ورغم أن الجيب يسير الآن بسرعة 80 كلم/ في الساعة إلا أن التجربة مرعبة فعلا.

---

9:30 ، مخيم صحراء الحيرة، 100 ميل شمال الرياض

فجأة ننتقل من العتمة المطلقة إلى ما بدا وكأنه مكان تصوير لفيلم هوليوودي. عشرات الخيام المنصوبة في الصحراء، مقابل واحة جميلة. وإلى جانبها يوجد 6 نفاثات مائية، ومركب صغير وعدة آليات رياضية تستخدم على الرمل. ومن ثم وجدنا 30 سيارة تشبه سيارات الفورمولا 1.

وفي الوسط يوجد موقع المخيم الذي تعادل مساحته نصف مساحة ملعب كرة القدم، ويتوزع على أطرافه جلسات عربية ووسادات يمكنك مباشرة تحديد أين سيجلس الأمير، وفي المقابل شاشتان تليفزيونيتان ضخمتان، هاتفان، وكومبيوتر محمول، ويتوزع أيضا أربعة صقور في المجلس. يشرح أحد المرافقين: "يأتي الأمير إلى هنا للراحة والاسترخاء".

إنه هدوء وسكون، ولكنه ليس أمرا سهلا، وفيما تجولنا قليلا حول المخيم، وجدنا المطابخ حيث يتم التحضير لوليمة تعد لمئات الضيوف الذين سيحلون على الأمير.

وإلى جانبهم عشرات البيوت المتنقلة للفريق العامل، ناهيك عن الطهاة والعمال وحتى التقنيين الذين كانوا منهمكين في تحضير إحدى الشاشات الضخمة. قد نكون في منتصف الصحراء، لكن أحدث تقنيات الأقمار الاصطناعية موجودة في مخيم سمو الأمير. التكلفة غير مهمة، ولكن أهم شيء في هذا المخيم الصحراوي هو الضيوف ولكن. من هم؟

داخل المخيم، وتحت خيمة أصغر، يجلس 30 رجلا يمكنك على الفور استنتاج أنهم أشخاص مهمون؛ قادة القبائل. أتوا من جميع أنحاء المملكة للقاء الأمير وطلب مساعدته، وعادة تكون هذه المساعدات مالية.

وخارج المخيم شاهدنا تجمع أكبر، حوالي 500 شخص، هؤلاء سعوديون عاديون قدموا من جميع أرجاء المملكة أيضا، وهم ينتظرون منذ الساعة الرابعة بعد الظهر، كل واحد يحمل وثيقة تتضمن مشاكله، ومجددا معظمها مشاكل مادية.

سيلتقي الأمير بهم جميعا الليلة. وقال أحد المساعدين: "لا يهمكم عددهم، سيجتمع الأمير معهم جميعاً". وأضاف قائلاً: "في إحدى الليالي حضر 17 ألف شخص والتقى الأمير بهم جميعا في نفس الليلة".

---

10:15 مساءً

تزداد حدة الإثارة في المخيم، ونستدعى إلى إحدى الكبائن التي مررنا بها في وقت سابق. ينهض زعماء القبائل الثلاثون من خيمة كبار الزوار. سمو الأمير الوليد سيكون هنا في أية لحظة الآن. يظهر الأمير الوليد، رغم أنه يبدو أنه مر بمرحلة تحول خلال الساعات الماضية. فلقد ذهب قطب الأعمال السريع الكلام المحاط بالمسئولين التنفيذيين، وظهر بدلا منه رجل يبدو عليه الارتياح، مبتسم ويحمل عصا للمشي. يرتدي معطفا ولا يلبس شماغ الرأس. وعندما يرانا يرفع صوته قائلا" مرحبا ، أنا آسف للتأخير، لقد كنت في زيارة للملك عبدالله". نتمشى معه قليلا عبر المخيم، بينما يسير وراءنا موكب من نحو خمسة عشر مساعدا.

" انظروا إلى كل هذه المياه التي ترونها هنا، إنها شيء لا يصدق، أليس كذلك؟" لم تكن هذه المياه هنا قبل بضعة أشهر، إنها واحة ظهرت للتو، ولهذا تم بناء المخيم هنا. "في هذا المكان شيء يريحيني جدا" أضاف الوليد.

عندها يشاهد الأمير ثلاثة جمال ويأخذنا إليها بفرح غامر: "هذه حياة حقيقية هذه هي الطبيعة بحق. إنها العودة إلى جذورنا الحقيقية، شيء لا يصدق، إنه أمر لا يصدق أليس كذلك، هل توافقونني الرأي؟"

10:30 مساءً

نصل بصحبته إلى مركز المخيم، حيث تم تجهيز المنطقة الخاصة بسموه. أجهزة التلفاز الثلاثة تبث إرسال تلفزيون CNBC وهناك ينتظره بعض الأعمال المكتبية. لن نذكر المكالمات الهاتفية الثلاث والمزيد من النصوص.

هل يتوقف الأمير عن العمل؟

" أنا مرتاح الآن، غير أنني لا أمانع العمل باستمرار." ويضيف الأمير: "أغلق جهاز هاتفي في الساعة الخامسة صباحا من كل يوم، لمدة خمس ساعات. ولكن إذا كان هناك أي طارئ فإنهم يوقظوني".

ينتقل الأمير الوليد بين عدد من المحطات الفضائية ويتوقف عند محطة CNBC وبعدها CNN وSky News. مؤشر داو جونز بلغ للتو ارتفاعا قياسيا.

11مساء

بعد أن يشاهد المزيد من المحطات التلفزيونية، ويتلقى بضع مكالمات هاتفية، ننتقل إلى خيمة مجاورة، لا تبعد أكثر من 3 دقائق مشيا على الأقدام، يتبعنا قادة القبائل. هناك وليمة كبيرة جاهزة لتناولها. يجلس الأمير في الوسط ، أمام وجبة، فيما يتولى مساعدوه خدمتنا. هناك جهاز تلفاز آخر أمامنا، تظهر عليه هذه المرة قنوات روتانا التي يملكها، ينظر إلينا متسائلا: "ماذا تأكلون؟" أجيبه: "لحم الخراف". قال الأمير: "ليس جيدا" وأضاف: " أنا نباتي منذ 25 وعشرين عاما، أنا أتناول فقط طعاما قليل الدسم.. وماذا تشربون؟" وأجبته: "بيبسي". قال سموه: "ليس جيدا يجب أن تتناول دايت بيبسي، فهي تحوي كمية أقل من الكالوري (السعرات الحرارية). ومن الأفضل أن لا تتناول سوى الماء".

---

وتستمر محاضرة تخفيف الوزن، حيث يشرح الأمير: "الصحة، كما تعلم مهمة جدا، عليك أن تعير انتباها لصحتك، ولهذا أنا أمارس الرياضة أيضا".

أي رياضة؟ لكن ليس هناك متسع من الوقت لأن هاتف الأمير بدأ بالرنين، وها هو يبدأ حورا ساخنا باللغة الإنجليزية لمدة 15 عشرة دقيقة مع أحد مساعديه التنفيذيين، على ما أظن، في نيويورك."لقد دخلنا بسعر منخفض، ما هي القيمة التي يجب أن ندخل بها الآن؟ أية قيمة؟ قل لي أية قيمة؟" سأل الأمير مرارا.

وبينما كنا نستمتع بكوب من الشاي، كان الأمير يمد نظره عبر الصحراء المترامية أمامنا: " لقد قمنا بالكثير من خلال شركة المملكة القابضة، الكثير الذي نفخر به. إن أكثر من نصف عدد موظفي شركتنا هم من النساء. الأمور بدأت تتغير. لقد وظفت لدي أول امرأة تقود طائرة في السعودية ولدينا الكثير من الوظائف القيادية تحت إدارة نسائية، وكذلك أول سيدة مشرفة على الطيران. لكن التغيير الحقيقي ربما يستغرق سنوات".

11.30 مساء

الوقت يقترب من منتصف الليل، غير أن الحدث الرئيسي لم يبدأ بعد. الحدث الأساسي الذي جئنا من أجله.

أخيرا يبدأ الحدث. يصطف مرة أخرى 30 من زعماء القبائل. لكن هذه المرة، كل واحد منهم مسلحا بمجموعة أوراق، وكل واحد يمضي نحو دقيقة متحدثا للأمير. الأول يشرح كيف أن راتبه لا يكفي حاجياته الأساسية. أوراق موثقة بالتفاصيل تمرر إلى الأمير. أما الثاني فيطلب مولدا كهربائيا جديدا، شارحا أن قريته تعاني من انقطاع الكهرباء منذ عدة أيام. يواصل زعماء القبائل تقاطرهم نحو الأمير. مساعدة للزواج، فلوس لأجل العلاج. فلوس لإتمام زواج وهكذا...

وبدون استثناء يصغي الأمير لكل مشكلة، ولكل طلب. بعد عشر دقائق يحمل وثائق جميع تلك الحالات، ويمررها جميعا إلى أحد مساعديه. ستتم دراسة تلك الحالات بدقة وعناية، أما الردود - وجميعها إيجابي بالطبع- فستأتي بسرعة.

"المرحلة الأولى" انتهت، وشيوخ القبائل يعودون إلى قاعة كبار الزوار الخاصة بهم. في الخارج مواطنون سعوديون عاديون ينتظرون مقابلة الأمير، ويسمح لهم بالدخول إلى المخيم حيث يصطفون بانتظام لمقابلة سموه. الساعة الآن تقترب من منتصف الليل، لقد انتظروا بضع ساعات، دون أن تبدو على محياهم أية علامة امتعاض.

---

11.45 مساء

" الطابور طويل الليلة، لكنه ليس طويلا جدا" قال الأمير وهو يشير إلى طابور المنتظرين. العدد لا يقل عن 500 بكل تأكيد. وقبل أن يشير إليهم بالاقتراب منه، يجري مكالمتين هاتفيتين، ويمضي وقتا بسيطا يشاهد فيه القنوات التلفزيونية.

بعدها يتقاطر المواطنون واحدا بعد الآخر. ينظرون بإعجاب للأمير، وغالبا ما يقبلون كتفه، قبل أن يبدؤوا بشرح مختصر لقضاياهم، يسلمون بعدها تفاصيل مكتوبة. يصغي الأمير بانتباه لكل واحد منهم، ويرمقني بنظرة بين الفينة والأخرى. وحاجات هؤلاء كحاجات شيوخ القبائل أساسية أيضا. "أسكن في بيت مستأجر منذ 40 عاما. وأريد أن أِشتري منزلا الآن،" قال أحد الرجال المسنين.

يظهر بعد ذلك رجل أكثر شبابا: "أنا حارس أمن وراتبي قليل. أنا بحاجة ماسة للمال لشراء وسيلة نقل أذهب بها إلى عملي". تختلف قصص هؤلاء الرجال، لكنها في النهاية هي ذاتها: موضوع مساعدة.

إنهم بحاجة إلى مبالغ صغيرة من المال نقدا وبسرعة. مطالبهم وقضاياهم ليست محل شك أبدا، وعلى أية حال فإن جميع الزوار قد تم تصويرهم خارج المخيم للتأكد من عدم قيامهم بزيارات أسبوعية بمطالب مختلفة. لقد واظب الأمير الوليد على هذه الاستقبالات منذ 25 وعشرين عاما، ومع ذلك فإنه لا يزال يظهر اهتماما كبيرا بأبناء شعبه ومشاكلهم. أحيانا يبدوا حزينا لسماع مآسي بعضهم، فيأمر مساعديه بمدهم بالمال فورا. بعد نحو 45 دقيقة ينخفض عدد الواقفون في الطابور إلى نحو 30 شخص. لقد قابل أكثر من 500 شخص، وهناك أكثر من 500 وثيقة وضعت في صندوقين أسودين كبيرين. آخر 20 زائرا لم يأتوا بمطالب بل بقصائد شعرية مكتوبة تستغرق الواحدة منها نحو دقيقتين، وتبدأ كلمات كل قصيدة بشكر للأمير على كرمه. بعض القصائد تتلى بعاطفة متدفقة لدرجة أن عيني الأمير تكاد تطفح بالدموع.

أحد الشعراء شاب لا يزيد عمره عن عشرين عاما، يلقي قصيدة تلامس شغاف القلب حول مشاكله المالية. وعندما ينتهي، يلقى تصفيقا من الحضور. وبعد ثوان يوقع الأمير وثائق ذلك الشاب. المساعدة المالية ستأتيه قريبا جدا، إنها في الطريق، وأقرب مما يتصور.

---

19/ ابريل الساعة 1.20 صباحا

مخيم الحيرة الصحراوي

"أقوم بهذا العمل منذ 25 عاما. أستطيع أن أقول أن العدد الإجمالي للناس الذين قابلتهم ودعمناهم يفوق مليون ونصف المليون شخص خلال العقد الماضي" قال الأمير الوليد بن طلال.

نحن الآن في ساعات الصباح الأولى. فها هو يجعلني أشاهد قنوات روتانا التلفزيونية التي يملكها، ثم يطلب لنا المزيد من الشاي. يبدو أنه يريد أن يبدأ إجراء الجزء الثاني من الحوار الصحفي الآن، طاقم الكاميرات التلفزيونية يظهر مجددا، وتبدأ أضواء الفلاش تحيط بنا من كل صوب.

" هذه تجربة تجعل الإنسان أكثر تواضعاً. لا شك في ذلك. هذا شيء يجعلك قريبا من الأرض، أنت تتفاعل مع البشر، وترى ما يحصل لهم. هؤلاء يطلبون مساعدات، وهي تظهر لك كم أنا سعيد بمساعدتهم".

لكن الأمير الوليد يستمتع بكل تأكيد بحياة القصور، وبيخته الفاخر وطائرة الجامبو الخاصة به. هذا إذا لم نذكر ثروته الشخصية التي تقدر بـ 20 مليار دولار أمريكي. وهذا أمر طبيعي: "لكن أيضا من المهم جدا أن تكون قريبا من الناس".

هذا واضح. والأوضح من ذلك أن الأمير كان يعرف جيدا المستقبل الذي ينتظره. قال الأمير:"كنت أركز باستمرار، وكنت أرغب الدخول في عالم التجارة. عندما بدأت لم يكن لدي شيء. لقد بدأت بـ 30.000 ألف دولار. لم أكن أعرف بأن الأمور ستكبر لهذا الحجم ولله الحمد، لكني كنت أعرف أنني سأقوم بشيء ما. لم أتوقع أن أكبر إلى هذه الدرجة. كنت دائما تواقا للإنجاز".

لكن هل هو بحاجة إلى النفوذ؟ "النفوذ أمر يأتي مع القوة والعمل، عندما تملك كل هذه القوة، فأنها تعطيك الكثير من النفوذ. وعندما تكون أثرى مسلم، أو عندما تكون لديك الشركة الأكثر أهمية - كل هذه الأشياء هامة جدا غير أنها تزيد من المسؤوليات والضغوط. يجب أن تحسن أدائك وأن لا تكون مخيبا للآمال. الطموحات والتوقعات تصبح أكبر، ولهذا فأنا تحت الضغط أكثر من أي وقت مضى. الناس يتوقعون الكمال."

ويضيف الأمير الوليد: "كل الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي، أقدرها لأني استفدت منها. لم يكن أي من تلك الأخطاء مدمرا. لقد تعلمت دروسي في الحياة. كنت أحيانا في مواقف صعبة، لم تكن سهلة. لقد تعلمت بالطريقة الصعبة، ولهذا فقد ارتكبت أخطاء في العمل، لكنها لم تكن مدمرة، ووعدت نفسي ألا أكررها ثانية".

وفي الوقت الذي كنا نستعد فيه للمغادرة أنا والمصور، كان سموه يستعد للقراءة لمدة ساعتين، سألته عما إذا كان يفتقد لأن يكون الإنسان العادي، أي ألا يكون غنيا أو صاحب نفوذ، وأن يكون قادرا على السير في مركز للتسوق، وأن يقوم بأشيائه الخاصة دون أعباء أو مسؤوليات. لابد أن سموه يرغب في القيام بذلك بين حين وآخر؟. قلت ذلك متسائلا؟

"لا . فأنا أعيش حياتي، أنا أعيشها بالكامل، يوما بيوم. أنا منهمك وغارق فيها بالكامل. أعلم أنني أحاول ان أفعل أشياء للتأثير في هذا العالم ومجرياته، في مجتمعي وفي بلادي، وهكذا فأنا سعيد بما أقوم به. أنا دقيق جدا وأريد أن يحصل كل شيء أقوم به بإتقان".

وهل هذا يجعلك سعيدا؟

"لدي حالة أعلى من السعادة - إنها السكينة".

الساعة الرابعة صباحا

فندق "الفور سيزونز" في الرياض.

وفي طريق العودة الطويل، لم يتفوه أحد منا بكلمة واحدة. وعندما دخلنا بهو الفندق، طلبت فنجانا من القهوة فيما طلب زميلي المصور علبة من الدايت كولا. وحينها نظر إلي وقال: "هل حدث كل هذا فعلا؟"

نعم لقد حدث فعلا!