ليست خندقا إعلاميا طائفيا

تحدثت عن المنافسة تحديدا، هل تشعرون حقيقة في الـ BBC العربية بالمنافسة حاليا في الميدان الإعلامي من جانب الجزيرة والعربية مثلا.؟

لم تأت BBC العربية لكي تنافس الموجود. لقد جئنا لنقدم خدمة للمشاهد العربي. وقت الإنسان العربي محدود. لا يمكن أن يكون لدى المشاهد العربي الوقت اللازم لمشاهدة هذا الكم الهائل من المعلومات المتدفقة على مئات المحطات التلفزيونية العربية وأيضا على الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت والإذاعات.

هناك ترشيد للوقت لا بد أن يمارسه المتلقي من أجل استبعاد أو متابعة ما يريد أن يتابعه. لكن ما نقوم به هو أننا نقدم خدمة إضافية. إذا فضلنا الناس على غيرنا، فهذا من دواعي سرورنا.

نحن في BBC لا نريد أن نزاحم أحدا، ولم نأت لنقلل من شعبية أحد أو أن نكون بديلا لأحد. لقد أتينا لتقديم خدمة لو راقت للمشاهد يسعدنا أن يتابعها ولو لم ترق له يسعدنا أن نستمع إلى رأيه لنطور هذه الخدمة بما يضمن أن نفيه حقه وأن نقدم له الخدمة التي أردنا أن نقدمها.

لكن ككل محطة تلفزيونية يجب أن يكون لديكم هدف للحصول على حصة من المشاهد العربي؟.

الهدف المعلن لنا هو 35 مليون مستخدم للمعلومة على مدى 5 سنوات، وأنا أتوقع أننا سنصل إلى هذا الرقم قبل هذا الوقت، وطبعا فإن رقم الـ 5 مليون على التلفزيون والإذاعة والإنترنت.

المال السياسي

هناك مشكلة متجذرة كثيرة في وجدان المشاهد العربي سواء التلفزيوني أو حتى المستمع العربي للأخبار والإذاعة وغيرها، تتمثل في قناعته التامة بأن هناك مالا سياسيا وراء كل منبر إعلامي أينما وجد سواء في قناة الجزيرة أو العربية أو غيرهما، تماما كما هو الحال في المحطات الحكومية، مع الفارق طبعا؟. ما هو دور المال السياسي لديكم في الـBBC؟.

أريد أن أوضح نقطة هامة. نحن تمويلنا واضح ومعروف. مشكلة العالم العربي تتمثل في حاجتين رئيسيتين في ما يتعلق بالمال. الأولى أن يكون هناك نوع من الربط لفكرة أن يكون هناك مال سياسي يساهم في العملية الإعلامية، وهذا باعتقادي ينطوي على سذاجة لأن أي عمل في الحياة سواء في ميدان الطب أو التدريس أو الهندسة، هناك مال وهناك جهد وتعب، ولا بد أن يتم تلقي أجر مقابل كل جهد أو تعب.

والمال طبعا لا يأتي من فراغ. بعض الوسائل الإعلامية تعتمد على الإعلان في تغطية النفقات والمصاريف وهذا الإعلام يفترض أن يبنى على اهتمام المشاهد بالقناة بما يضمن أعداد كافية تسمح بأن يكون لهذا الإعلان قيمة وثمنا يمول استمرارية هذه المحطة ويضمن لها تحقيق ربح كي تعيش، وهذا شيء مشروع.

وهناك محطات لها أهداف سياسية معلنة وهي تمول من وزارات الخارجية لهدف سياسي. محطات تقول إن هدفها على سبيل المثال تحسين صورة فرنسا أو التعبير عن رأي فرنسا أو أي دولة ما على سبيل المثال أو تحسين صورة روسيا ونقل رأيها إلى العالم العربي، أو تصحيح الصورة المغلوطة عن دولة ما مثل الولايات المتحدة أو ترسيخ فهم الديمقراطية، أو تقول إن هدفها إطلاع العالم العربي على وجهة النظر الأوروبية أو الألمانية .

هذه محطات معروفة، لكن نحن فيBBC لا نصنف ضمن هذا الإطار. نحن نقدم خدمة عامة، وأموالنا تأتي من دافع الضرائب البريطاني لهدف محدد ومعلن ومعروف. الأموال تأتي منحة من البرلمان البريطاني وتتابعها وزارة الخارجية البريطانية.

الهدف الرئيسي لدينا هنا هو استمرار وجود هذا الكيان الإعلامي المبني على الثقة والمصداقية بما يفيد الشعب البريطاني كشعب وليس كحكومة. سأعطيك مثالاً أكرره كثيرا. دولة الكويت تطبع أعمالا عن الأدب العالمي.

فما هي مصلحة الكويت مثلا في طباعة وترجمة أعمال الأديب ويليام شكسبير مثلا، أو أية مجلات علمية أو أدبية مترجمة إلى العربية. هناك مجهود كبير يقوم به المجلس الوطني في الكويت في مجال الثقافة والإعلام. فما السبب وراء ذلك ؟. هل هو الترويج لسياسة الكويت مثلا؟. الجواب لا بالطبع. لكن هذا يعود بصورة إيجابية على الدولة التي تقوم بهذا العمل من الخدمة العامة.

هذا بالضبط ما تقوم به BBC من خلال خدمتها العربية. لا يوجد سعي لتحسين صورة أحد في ميثاقنا أو في أهدافنا أو حتى في معاييرنا التحريرية ولا حتى في ممارساتنا. ولو كنا كذلك لتمكن الناس من كشفنا على الفور.

نحن نريد ونصر على أن نكرس معايير مهنية وإعلامية تنطبق على كل الموضوعات ولا علاقة لها بهذه الدولة أو تلك. ليس هناك دولة نحابيها أو نركز عليها أو نعاديها، وليس هناك موقف بريطاني نريد أن نبرزه ونشرحه، لكن بريطانيا مثلها مثل أي دولة أخرى في ما يتعلق بالعمل الإعلامي.

لو كان هناك قضية ما مثل قضية العراق لبريطانيا دور فيها، لا بد أن نتأكد من أن الرأي البريطاني ممثل والرأي الأمريكي ممثل وأيضا رأي المعارضة ممثل ورأي أي طرف آخر له علاقة بالقضية هذه ممثلا. هذا حق لكل طرف مثلما هو حق للأطراف الأخرى بمعنى أنه لا يتم تجاهلهم، وأيضا لا يتم إبرازهم.

ولكن الحكومة البريطانية مثلها مثل أي حكومة أخرى من حقها عندما تكون هناك قضية تخصها أن تقول رأيها وموقفها وأن تعبر عن نفسها أو أن تقول مثلا «أنا لم أمثل بشكل جيد في هذه القضية» وهنا نحن نستمع لرأيها وربما نستمع للموضوع أو للحوار أو للحلقة ولربما نجيب مثلا بالقول أننا آسفون لا يمكن أن نعطي هذه الجهة أو تلك مساحة إضافية أو أن نقول مثلا بالفعل أنتم على حق لم تأخذوا المساحة الكافية أو الوقت الكافي لأي سبب كان، أعطونا رأيكم أو تعقيبكم ونحن سنذيعه بكل تأكيد.خدمة ومشاكل

هذا الطرح يضع BBC على النقيض من قناة الحرة أو من راديو SAWA التي أعلنت صراحة أن الهدف هو تحسين صورة أمريكا في العالم العربي؟.

الـ BBC موجودة قبل الأحداث الكبرى الأخيرة في العالم العربي أي قبل غزو العراق أو ما شابه وأيضا قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. وقد نشأ اهتمامنا لبدء خدمة تلفزيونية عربية تحديدا في عام 1994 وحينها لم تكن قد وقعت أحداث 11 سبتمبر ولم تكن هناك حرب العراق أو أحداث لبنان الراهنة ولا أي حاجة في الشرق الأوسط.