على فراش الموت

تواصل أسواق المال في منطقة الخليج أدائها المتقلب من جلسة إلى أخرى، ومن أسبوع إلى آخر، وأيضاً من شهر إلى شهر، دون أن تستطيع تحديد اتجاه واضح تسير عليه. وتبدو هذه الأسواق عاجزة وسط أزمة باتت معروفة للجميع، تعمل على تعميقها ظروف دولية وإقليمية، وتداعيات تمتد من تراجع العقار إلى نقص السيولة مرورا بفقدان الثقة إلى آخر ما هنالك من أسباب لم تجد خطط الإنقاذ المختلفة معها نفعاً.

«خسائر فادحة ومكاسب ضئيلة» هذه هي الحصيلة الحقيقية لأداء أسواق الأسهم الخليجية أسبوعياً وشهرياً بل وحتى يومياً. ففي غضون بضعة أشهر، بددت تلك الأسواق أرباحاً جاهدت سنوات طويلة لكسبها. ولقد تضافرت عوامل عديدة بينها الخارجي والإقليمي وحتى المحلي، في نقل أسواق الأسهم الخليجية من غرفة العناية المركزة، إلى «فراش الموت» كما قال أحد المحللين.

وبالإضافة إلى العوامل الخارجية الضاغطة على أسواق الأسهم كالأزمة المالية والاقتصادية العالمية، والتراجع الحاد في السيولة، والخسائر الكبيرة التي منيت بها أسواق المال العالمية والإقليمية على مستوى العالم، وكذلك خسائر البنوك العالمية وتراجع الأصول والقيم الحقيقية للاستثمارات وصناديق التحوط وغيرها من الاستثمارات، والتباطؤ الاقتصادي الذي دخلته جميع الدول بلا استثناء، تضغط عوامل محلية تتجلى أولاً، بتراجع كبير للعقار الخليجي، وتراجع مماثل في أرباح الشركات المدرجة، وبخاصة أرباح البنوك وشركات العقار، وكذلك التراجع الكبير لأسعار النفط مع ما ينجم عنه من تراجع كبير في مداخيل دول المنطقة المصدرة للنفط، وكذلك الخسائر الكبيرة التي منيت بها الصناديق السيادية التي تديرها حكومات الدول الخليجية، على أداء أسواق المال الخليجية.

وبالإضافة إلى عمليات البيع على المكشوف التي أضرت كثيرا بأسواق المال الخليجية، وقيام البنوك بعمليات كبيرة لتسييل الأسهم المقترضة، كانت هناك عوامل نفسية وسيكولوجية أمسكت ولا زالت تمسك منذ مدة بخناق هذه الأسواق التي لا تكاد تستعيد أنفاسها حتى تلفظها مرة أخرى، ولا تكاد ترتفع حتى تعود للانخفاض أو حتى للتدهور.

المفاجأة مستبعدة

قدم أحدث تقرير لبيت الاستثمار العالمي جلوبل صورة بالغة التشاؤم لأي تطور ايجابي في أسواق المال الخليجية خلال هذا العام. وجاء في التقرير «أن النصف الأول من عام 2009 ، يبدو مبكرا للغاية لكي تتمكن أسواق مجلس التعاون الخليجي من التعافي من الاضطرابات التي شهدتها خلال الربع الأخير من عام 2008، والتي استمرت حتى العام الحالي.

ولذلك يمكن التوقع بسهولة أن الربع الأول من عام 2009 سيمر بدون أي تحرك تصاعدي ملموس في المؤشر. كما يتوقع أن يظل المستثمرون حذرين هذه الفترة حتى يتم الإعلان عن نتائج الربع الأول من عام 2009.

كما ينبغي أن تشهد أسواق الأسهم الخليجية مرحلة تجميع، من الممكن أن تستمر حتى نهاية النصف الأول من عام 2009. ونعتقد أن أوضاع الأسواق قد تكون مهيأة لصعود يمكن أن يحدث خلال النصف الثاني من عام 2009، لكن إذا حدث أي تحرك إيجابي خلال النصف الأول من عام 2009 فسيكون ذلك بمثابة مفاجأة».

ويمضي التقرير للقول «نحن نفهم أن احتمال حدوث ذلك في النصف الثاني من عام 2009 يفوق بكثير احتمال ما يحدث في النصف الأول. وعلاوة على ذلك، فإن حجم هذا الفرق سوف يعتمد اعتمادا كبيرا على العوامل غير الأساسية، مثل عودة المستثمرين الأجانب إلى الأسواق، وعلى مشاعر المستثمرين وعلى عامل الثقة أيضا».

نزعة عاطفية

ويرى أحد الخبراء الماليين البارزين في دبي إنَّ أسواق الأسهم لن تسلك مساراً صعودياً، إلا عندما يتخلى المستثمرون في المنطقة عن الاستراتيجية الاستثمارية ذات النزعة العاطفية والمرهونة بالإشاعات والتكهنات لا الحقائق الاقتصادية الراسخة.

وفي ختام سلسلة ندوات نيكزس التثقيفية، التي عقدت قبل أيام في دبي وشارك فيها مجموعة من المستثمرين الإقليميين، أكد اقتصاديون وخبراء ماليون معروفون على أهمية طمأنة المستثمرين في المنطقة، وحثهم على أن يتبنوا استراتيجيةً استثماريةً مدروسةً ومبنيةً على معرفة راسخة وعقلية منفتحة.

وفي حين يتوقع بعض المحللين والاقتصاديين أن تشهد أسواق الأسهم الإقليمية مساراً صعودياً حافلاً بالفرص الاستثمارية المُجزية، فإنهم يتوخون الحذر في تحديد موعد استرداد أسواق الأسهم لعافيتها وتحررها من النزعة الهبوطية الحالية.