اقتصاديات المنطقة الثقة تعود تدريجياً

أظهرت مجموعة من المؤشرات الحديثة عودة متدرجة للثقة في مستقبل اقتصاديات دول المنطقة، سواء من جانب الأفراد أو الشركات، مما قد يشكل عاملاً إيجابياً لتجاوز أزمة التباطؤ الاقتصادي حالياً بعد مرحلة التشاؤم التي سادت خلال الفترة الماضية.

أجمع رجال الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي على نظرة مستقبلية أكثر إيجابية للمرة الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008. فوفق كافة المقاييس تقريباً، ترى شركات الأعمال التجارية في المنطقة بأن المستقبل سيكون أفضل سواءً على صعيد العوائد أو هوامش الربح أو تحقيق الأهداف لهذا العام، وهناك زيادة ملحوظة في نظرة التفاؤل منذ الربع الأول من هذا العام.

وشمل مؤشر HSBC لثقة شركات الأعمال التجارية الربع سنوي، أحد أكثر المؤشرات شمولاً من حيث قياس أراء رجال الأعمال في المنطقة، استطلاعاً لآراء 1823 من رجال الأعمال من كافة دول مجلس التعاون الست. وقد ارتفع المؤشر بشكل عام من 74.8 نقطة إلى 79.4 نقطة، أي بزيادة قدرها 5 نقاط تقريباً، وهي أكبر حركة للمؤشر خلال 3 أشهر منذ الانخفاض الكبير الذي شهده مؤشر الثقة في الربع الأخير من عام 2008.

جو من الحذر

غير أن هناك جوا من الحذر لا يزال مسيطراً على الشركات في المنطقة حيث أن 17 % من رجال الأعمال، أو 1 من كل 5 تقريباً، يبدو غير متفائل بشأن إيرادات شركته، في حين أن 1 من كل 3 رجال أعمال (34 %) يتوقع استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي لفترة لا تقل عن سنتين.

وهذا يدل على حالة عدم اليقين التي لا تزال قائمة في السوق، وما يترتب عليها من حذر بشأن التوقعات المستقبلية.

ومن الأمور الهامة الأخرى التي أظهرتها نتائج الاستطلاع:

* 28 % من رجال الأعمال يتوقعون زيادة في الأرباح في عام 2009، أي أعلى من نسبة 23 % التي تم تسجيلها في الربع الأول.

* 48 % منهم يتوقعون أن يكون أداء شركاتهم أفضل في الربع المقبل، مقابل 42 % في الربع الأول.

* 34 % منهم يرون بأن لأسعار النفط أثر إيجابي على أعمالهم، مقابل 26 % في الربع الأول، وهي نسبة أعلى من أي وقت مضى، مما يعكس زيادة تقلب أسعار النفط، وارتفاع أسعار النفط على أساس ربع سنوي.

* تم طرح سؤال جديد حول ماهية الشركات التي أقاموا معها علاقات تجارية ومن أي مناطق في العالم كانت، وأجاب أكثر من نصفهم (57 %) بأن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة التجارية الرئيسية، بيد أن 1 من كل 3 (33 %) يتوقع بان نمو هذا السوق سيتباطأ في عام 2009.

* 33 % منهم يعتقدون بأن عمليات التجارة الخارجية ستتباطأ .

ميل نحو التفاؤل

وقال تيم ريد، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية العالمية في بنك HSBC الشرق الأوسط المحدود «نتائج الدراسة للربع الثاني يمكن وصفها بأنها متفائلة بحذر. فقد مر قطاع الأعمال التجارية بظروف صعبة على مدى 9 أشهر متتالية، ولكن بعض المشاركين في السوق يرون بأن المستقبل سيكون أفضل بكثير. فالجو العام السائد في المنطقة يميل نحو التفاؤل، في حين لا يزال هناك الكثير من الأمور التي تتطلب الحذر. أمور لا تبدو بأنها تتجه نحو التراجع. فهذه المرحلة بعيدة كل البعد عن فترة الانتعاش التي شهدها المناخ الاقتصادي في المنطقة في الفترة ما بين عام 2007 وأوائل عام 2008، ولكن هناك الكثيرون من الذي يعتقدون بأن أسوء مراحل الأزمة قد مضى».

وعلى صعيد الأفراد، يشعر المستهلكون في دولة الإمارات العربية المتحدة أن المناخ الاقتصادي في المنطقة يتجه نحو التحسن، حيث سُجِّل أول تحول تصاعدي في ثقة المستهلكين، في دراسة مؤشر ثقة المستهلكين التي يجريها موقع Bayt.com بالتعاون مع YouGov بشكلٍ فصليٍّ. وقد ارتفع المؤشر 15.9 نقاط مقارنة باستطلاع الرأي في فبراير/شباط من العام نفسه، وهو أكبر تحسن بين جميع الدول التي شملها الاستطلاع. وعلى الرغم من أن معظم الذي شملتهم الدراسة أبدوا تشاؤمهم من وضعهم المالي الحالي، ومن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وظروف الإنفاق، إلا أن 44 % من المجيبين قد أعربوا عن تفاؤلهم في تحسّن قطاع الأعمال، و37 % عن الوضع الاقتصادي للبلاد، مؤكدين أن المناخ العام متجه نحو الأفضل في غضون عامٍ واحد.

وعلى العموم ، فقد تحسّن المؤشر في كل الدول التي شملها الاستطلاع باستثناء الجزائر، وقد سجلت الإمارات النسبة الأعلى، تليها الكويت بارتفاعٍ في المؤشر بلغ 14.2 نقاط، والمملكة العربية السعودية والتي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 6.4 نقاط، وقطر 3.9 نقاط.

أفضل حالاً

وعلى صعيد بلاد الشام فقد ارتفع المؤشر في كل من سورية ولبنان بنسبة 8 نقاط و3.3 نقاط على التوالي بعد أن شهد المؤشر في لبنان ارتفاعاً قياسياً في الدراسة الماضية. وكانت الجزائر الدولة الوحيدة التي سجلت تراجعاً في ثقة المستهلكين وقد بلغ 2.3 نقاط.

إنّ مؤشر ثقة المستهلك يقيس توقعات المستهلك ورضاه تجاه مسائل عديدة متعلقة بالاقتصاد مثل التضخم النقدي وفرص العمل وتكلفة المعيشة. وقال عامر زريقات المدير الاقليمي في موقع Bayt.com: «كافة المستجدات على الصعيدين المحلي والعالمي تشير إلى استقرار نسبي وتقدم في بعض القطاعات. وهذا الشعور بالاستقرار ألقى بظلاله على المهنيين في الشرق الأوسط وهذا ما دفع بمؤشر ثقة المستهلكين نحو الأفضل».

وقد سلّطت الدراسة الضوء على الوضع المالي للمشاركين، وان كانوا يشعرون بأنهم أفضل أو أسوأ حالا مقارنة مع الأشهر الإثني عشرة الماضية. وقال خمس المجيبين في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنهم أفضل حالاً، ورأى 41 % منهم أنهم أسوأ حالا، في حين رأى 32 % من المشاركين أن وضعهم المالي لم يتغيّر. أما على صعيد المنطقة ككل، فبقيت النتائج متقاربة مع الدراسة الماضية، حيث أنّ ربع من شملتهم الدراسة شعروا بأنهم أفضل حالاً، ورأى 34 % أنهم أسوأ حالا، في حين رأى 33 % من المشاركين أن وضعهم المالي لم يتغيّر.

وفي دول الخليج، سجلت الدراسة تحسنا في الأوضاع المالية الشخصية حيث أعرب 28 % من المجيبين في المملكة العربية السعودية عن تحسن أوضاعهم المالية مقابل 27 % في كل من قطر والبحرين. أما في الأردن، فقد أعرب 44 % من المشاركين عن تراجع وضعهم المالي في السنة الفائتة. من جهة أخرى، ركّزت الدراسة على توقعات المستهلكين ودرجة تفاؤلهم حيال المستقبل، وقد سجلت جميع الدول تحسنا ملحوظاً باستثناء الجزائر. وعكس الدراسة السابقة فقد ارتفع المؤشر في الإمارات العربية المتحدة بنسبة 17.7 نقاط، وهي الأعلى بين جميع الدول التي شملها الاستطلاع، تتبعها الكويت بنسبة 17.3 نقاط. وفي باقي دول الخليج، فقد سجلت كل من المملكة العربية السعودية وقطر ارتفاعاً في المؤشر من حيث توقعات المستهلكين ودرجة تفاؤلهم حيال المستقبل، بلغت 7.9 نقاط و 6.9 نقاط على التوالي، على عكس الجزائر التي شهدت تراجعاً بنسبة 2.2 نقاط.