تسلسل عملية اغتيال المبحوح ودور دبي في الكشف وفقاً لبي.بي.سي

دبي من أكثر مدن العالم فخامة بناطحات السحاب العالية وفنادقها المبهرة إلا أن دبي الآن تشتهر أيضاً بدورها الذي لا ينكر في كشف تفاصيل عملية اغتيال محمود المبحوح التي تكاد تكون منسوخة من روايات أو افلام الجاسوسية.

المثير في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح أنها سجلت بالكامل على كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان في دبي.

هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) نشرت تخيلها الخاص للتفاصيل التي تراها الأقرب للواقع لعملية الاغتيال بتسلسل جرى على النحو التالي:

تنقل 27 شخصاً على مدى ثمانية أشهر من والى دبي عبر تسع دول مختلفة، وهم يخططون لقتل رجل أعزل واحد: محمود المبحوح.

واغتيل المبحوح، العضو البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس الفلسطينية التي تقاوم إسرائيل، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي.

وتتبع مراسل بي.بي.سي خطى فريق الاغتيال في أرجاء دبي، من مراكز التسوق التي التقوا فيها إلى الفنادق الفخمة التي أقاموا فيها، حتى ممر الدور الثاني في الفندق الذي اغتيل المبحوح في غرفته رقم 230.

وكان 12 من عصابة الاغتيال يحملون جوازات سفر بريطانية لأشخاص يعيشون في إسرائيل، أما الجوازات المزورة الأخرى التي استخدمت فكانت فرنسية وألمانية وايرلندية وأسترالية.

وكان الرابط بين الجوازات وإسرائيل هو ما جعل دبي واثقة من البداية بنسبة 99 في المائة أن إسرائيل هي من يقف وراء اغتيال المبحوح.

وفي يوم انكشاف العملية سجلت كاميرا مراقبة صورة منسقة العصابة، وهي امرأة شقراء تتحرك بجواز سفر أيرلندي باسم "جيل فولارد"، وهي تحجز في أحد الفنادق الفخمة.

وأقام مراسل بي.بي.سي في إحدى الغرف الأنيقة في ذاك الفندق، على مقربة من الغرفة التي أقامت فيها جيل، واطلع المراسل على فاتورة حسابها، ولاحظ أنها طلبت وجبة خفيفة من خدمة الغرف في الساعات الأولى من صباح يوم تنفيذ العملية.

وربما تظن، من طريقة تصرفها التي سجلتها الكاميرات، أنها لم تكن تدري أنه يجري تصويرها لكن هذا ظن خاطىء.

وكانت "جيل" مدركة تماماً لوجود الكاميرات، وهي تدخل الحمام في فندق آخر لتغير ملابسها تماماً وترتدي شعراً مستعاراً داكناً.

وكانت عمليات التخفي تهدف إلى تضليل من سيشاهد الكاميرات، لكن فريق الاغتيال أساء تقدير إمكانيات ومهارات شرطة دبي قي تحليل آلاف مقاطع الصور والفيديو في أعقاب العملية لربطها بالأشخاص وكشف أسرارها.

وفي الثالثة و25 دقيقة من بعد ظهر يوم الاغتيال، تحول الاهتمام إلى فندق آخر: البستان روتانا قرب المطار.

عندئذ كان محمود المبحوح، الذي يزعم الإسرائيليون إنه تاجر سلاح يشتري الصواريخ لحماس لتطلقها على إسرائيل من غزة، يحجز الغرفة 230 في الفندق.

وفي الساعات القليلة التالية يمر 13 من فريق الاغتيال عبر بهو الفندق ذي الأرضية الرخامية التي تتوسطها نافورة بشكل كرة أرضية.

وبينما كان المبحوح في طريقه إلى غرفته، تتبعه شخصان في ملابس رياضة التنس داخل المصعد ليعرفوا رقم غرفته. كانت الغرفة في الطابق الثاني وبعيدة عن الشرفة التي تطل على منطقة مفتوحة.

وسجلت كاميرا المراقبة أحد المتخفين في زي لاعب تنس، دون أن يبدو رياضياً على الإطلاق، وهو يستخدم جهازاً يرسل به رقم غرفة المبحوح إلى الفريق.

ولم يتواصل فريق الاغتيال مع بعضهم البعض مباشرة، بل عبر مركز اتصال في مكان ما في الخارج.

عندئذ حجز الفريق الغرفة المقابلة لغرفة المبحوح مباشرة، ولحسن حظهم كانت الغرفة رقم 270 متاحة.

ثم اجتمعت جيل وأعضاء من عصابة الاغتيال وهم أربعة أشخاص يحملون حقائب ومنسق آخر في الغرفة 270 بانتظار هدفهم بينما كان ثلاثة فرق مراقبة تقوم بمراقبة البهو.

أخطاء

أقام مراسل "بي.بي.سي" في غرفة مطابقة لغرفة المبحوح، ولاحظ الديكور البسيط والقفل الإليكتروني على باب الغرفة. ولاحظ أن هناك حركة شبه دائمة في الخارج، من عمال نظافة ورواد وغيرهم من العاملين في الفندق.

ومع أن هناك مخاطرة في أي تصرف يثير الشبهات في ذلك الممر، تظهر تسجيلات الفندق أنه في الساعة 8 مساءً ذلك اليوم عبث شخص ما بالقفل الإليكتروني للغرفة 230.

ويعتقد أن جانباً من عصابة الاغتيال دخل الغرفة، وبقي ينتظر الهدف.

وفي الثامنة والنصف عاد المبحوح إلى غرفته، وخلال ربع ساعة كان قد قتل.

إلا أن قاتليه ارتكبوا خطأ فادحاً.

فقد حقنوه بمادة تعمل على أرخاء العضلات كانت كفيلة بإصابته بالشلل، ومن ثم توقف التنفس.

ولكن يبدو أنهم ارتبكوا، أو كانوا في عجلة من أمرهم، وخشية انكشافهم قاموا بخنقه بوسادة.

وتركت عملية الخنق أثراً ظهر في التشريح فيما بعد، وأدى إلى اكتشاف آثار المخدر في دمه، وموضع إبرة حقن في رجله.

ولكن مع ذلك الاكتشاف كان القتلة قد رحلوا وأصبحوا في مكان بعيد آمن، وتقول شرطة دبي إن ذلك المكان هو إسرائيل.

خيانة

ومن أجواء دبي المبهرة، انتقل مراسل "بي.بي.سي" إلى أرض غزة المقفرة والمغطاة بآثار الدمار لاتقصى أكثر عن المبحوح.

وفي أحد المخيمات، التقيت عائلته وهي تؤبنه كونه قائداً مقاوماً وشهيداً.

وقال والده عبد الرؤوف المبحوح، "للأمانة كنا نتوقع خبر موته"، وأضاف، "كان الإسرائيليون يتعقبونه لسنوات".

ولكن لو كانت إسرائيل هي المسؤولة عن اغتياله، فعلى الأرجح لم تكن وحدها.

فالعداء المستحكم بين الفصيلين الفلسطينيين فتح وحماس ربما أدى إلى تعرض المبحوح للخيانة من بين أهله.

وتوضح كاميرات المراقبة من مطار دبي لقاء شخص عربي بأحد أفراد عصابة الاغتيال قبل قليل من وصول المبحوح، وتحتجز شرطة دبي شخصين فلسطينيين على علاقة بحركة فتح.

ويشكون أيضاً أن تحركات المغدور ربما تم تسريبها من شخص في حركته حماس.

وقالت والدته فاطمة بمرارة: الكلاب خانوه، والموساد أجهز عليه.

ارتكب القتلة غلطة أخرى حين استخدموا جوازات من خمس دول غربية ظناً منهم أنهم لن يكتشفوا أبداً.

ومع أن إسرائيل لا تنفي أو تؤكد أنها مسؤولة عن العملية إلا الإسرائيليين في شوارع تل أبيب قالوا لي كم هم فخورون بالموساد.