الوشاة الطيبون: بين مردخاي فانونو وجوليان أسانج

تتشابه تحليلات الكثيرين في الإعلام في حادثتين متشابهتين وقعت الأولى عام 1986، وها هي الثانية تتكشف أمامنا باسم تسريبات ويكيليكس والتي لم تظهر أسرارها الكاملة بعد.

تعيد وثائق ويكيليكس للأذهان حادثة وقعت عام 1986، يوم كشف الفني "الإسرائيلي" مردخاي فانونو أسرار المفاعل النووي في كيان إسرائيل مخاطرا بحياته لفضح سر الأسلحة النووية الإسرائيلية، وبالفعل دفع سنين طويلة من حياته ثمنا لكشفه تلك الأسرار، وهو لا يزال سجينا حتى يومنا هذا.

وقتها سمعت الكثيرين في العالم العربي تحديدا، يقولون في تحليلاتهم إن تسريب الأسرار النووية "الاسرائيلية" وصور مفاعل ديمونة النووي لدى الكيان هو تسريب مفتعل لإخافة الدول العربية.

لعل تفسير ذلك أنهم لم يطلعوا على ممارسات مؤسسات غربية، أو التراث الديمقراطي الذي يمجد "الوشاة"، وهم أشخاص تشجع الحكومات على وجودهم من خلال تأمين حماية لهم عند كشفهم للفساد في شركاتهم أو مؤسساتهم أو حتى دولهم.

فالحقيقة أظهرت لاحقا أن تسريبات فانونو هي أمر حقيقي مثل المفاعل النووي "الإسرائيلي"  وفانونو كان ولا يزال معارضا لفكرة أسلحة الدمار الشامل، ووشى ببلاده انطلاقا من تلك القناعة، ولم يكن هناك أي حرب نفسية اقتضت قيامه بالتسريب لصالح الاستخبارات لتخويف دول الجوار كما قيل عند كشف القضية وقتها.

ومع ويكيليكس، علينا أن نضع الأمور في سياقها الصحيح أولا، فهذه الوثائق هي عبارة عن برقيات رسمية، ولكن ذلك لا يمنع وجود تفاصيل مثيرة للسخرية وتناول بعض الساسة بألقاب غير لائقة وتفاصيل محرجة، فهذه أمور متوقعة واعتيادية، ولا تتعدى بعض البرقيات مجرد وجهات نظر لدبلوماسيين أمريكيين واستشاراتهم ونصائحهم، وقد تكون مجرد لغو لا طائل منه في بعض الأحيان.

إلا أنها بذات الوقت تضم معلومات هامة وخطيرة جدا، وما تم كشفه حتى اليوم هو مجرد رأس لجبل جليد مغمور في البحر.

من المهم أن نكون على صواب دوما لكن الأهم محاكمة الأمور ووضع كل الاحتمالات في الميزان دون فرضيات مسبقة، وتقييم كل الآراء بل الوثائق الأصلية ذاتها دون تفسيرات الصحافة لها، حتى يتم حسمها بالعقل لا بالعاطفة وبالدليل لا بالأقاويل.

فعندما تلمح الوثيقة إلى "وقوع إهمال من الجانب التركي في التعامل الصارم مع القاعدة"، قدمت صحف الكيان الإسرائيلي عناوين أخبار التسريبات تحت تسميات مثل "دعم تركي لمنظمة القاعدة"، أو هكذا فسرت بعض الصحف تلك البرقية الدبلوماسية السرية.

   
أما الحلقة القادمة من تسريبات ويكيليكس فسوف يكشف فيها عن اسرار قطاع المال والبنوك الأمريكية، وستكون وجبة دسمة كالعادة وفقا لمدونة فوربس.