ابحث في الموقع:
ArabianBusiness.com - Middle East Business News
شاهد موقع أربيان بزنس بحلته الجديدة وتصميمه المطور

YOUR DIRECTORY /

 
أطبع هذه المقالة أطبع هذه المقالة | أرسلها لصديق أرسلها لصديق | علق على المقالة (1 تعليقات)
| Share |

{loadposition article-top}

غازي القصيبي.. النسيان النعمة واللعنة وجحيم يدعى الزهايمر

بقلم This email address is being protected from spam bots, you need Javascript enabled to view it  في يوم الثلاثاء, 14 ديسمبر 2010

يدفع الكاتب والدبلوماسي والوزير السعودي الراحل غازي عبد الرحمن القصيبي قارئه إلى دروب رحلة رهيبة لا أمل فيها هي رحلة إلى جحيم عرف في عصرنا هذا باسم مرض "الزهايمر".

و"القصيبي" الذي وافته المنية في أغسطس/آب الماضي قبل أن يرى كتابه الأخير "ألزهايمر" مطبوعاً يصف محتوياته باسم فيه لباقة ودبلوماسية هو "أقصوصة" الذي هرب به من مصطلح الرواية مثلاً كي لا ندخل في عالم شروطها ومقوماتها.

ولكن التعبير الدبلوماسي قد يقول الكثير حتى حين يمتنع أحياناً عن التحديد أو خاصة حين يمتنع. ومهما كان فهمنا لمصطلح الأقصوصة، فسنجد أن الكاتب حملنا إلى ما قد يكون أكثر من رواية ومن أي شكل قصصي آخر، إذ حملنا إلى الحياة نفسها بماسيها التي قد تعصى القدرة على التسمية لأنها أوسع وأعمق وأكثر زئبقية وغرابة من الأسماء التي تهدف إلى حصر معنى أو صورة ما.

وقد قال القصيبي ذلك ببساطة وبكل ما في البساطة من قوة مدخلا قارئه إلى عالم لا طريق للعودة منه.


تتمة المقالة في الأسفل
advertisement

قديماً قيل "سبحان من وهب الإنسان نعمة النسيان" لأنها في بعض الأحيان تشكل طريقة لحماية النفس، والهرب من مآسي الحياة ومشكلاتها المستعصية. وقيل إن بعض معاني الإنسان هي ذات علاقة بالنسيان وقدرتنا على تحقيقه أو قدرته على التغلب علينا. الحالتان راحة وحماية للنفس أحياناً.

أما النسيان الذي يصوره لنا القصيبي، فهو أشد رهبة من مصائب كبرى أخرى، وقد يكون كما أضاف الكاتب وقال آخرون أشد قسوة من الموت.

ولربما وجد بعض القراء أنفسهم - من ناحية ما - عند قراءة ما يدونه بطل القصيبي قبل أن يفقد الذاكرة يتذكرون كتاب الراحل الدكتور أنيس فريحة "قبل أن أنسى".

وصدر كتاب القصيبي عن دار "بيسان للنشر والتوزيع والإعلام" في بيروت، وجاء في 127 صفحة متوسطة القطع.

ويبدأ الكاتب أقصوصته عبر مدخل قدم لنا فيه "بطله" والمعنى هنا لا ينطبق على الواقع، فالرجل ضحية قدر ساحق وليس بطلاً. وهو كذلك ليس بطلاً بمعنى البطل الإغريقي القديم ذاك الذي يصارع أقداراً أقوى منه ويسقط بسبب "خلل" أو ضعف ما فيه سقوطاً مفجعاً. أما هنا، فالشخصية الأساسية أو الوحيدة الرئيسية حرمت حتى من القدرة على الصراع الحقيقي. فالصراع يقتضي إرادة وتصميما ووعياً.. وضحية مرض الزهايمر بعيد عن ذلك ولا يلبث أن يغيب عن كل ذلك غياباً يوصف بأنه يمحو كل شيء.

ويصور غازي القصيبي لنا "يعقوب العريان" في بداية محنته. أنه يعجز حتى عن أن يعبر عن حبه للتي يحب. يقول "يقف يعقوب العريان أمام بائعة العطور ليشتري زجاجة من عطر زوجته المفضل... تسأله البائعة ماذا يريد ويحاول عبثاً تذكر الاسم... بعد دقائق أحمر فيها وجهه، وبدت عليه علامات الاضطراب غادر المتجر، وهو يعد البائعة التي تبتسم بعطف بأن يعود إليها، ومعه الاسم مكتوباً".

ويعقوب العريان أدرك ما الذي يسير إليه، فقرر ترك عائلته الحبيبة مبعداً عنها آلامه ومعاناته. كل فصل من الفصول يأتي في شكل رسالة إلى زوجته. يقول "عزيزتي. كان علي أن أخبرك بمجرد علمي. ومتى علمت.. قبل شهور أو ربما سنة. التفاصيل الصغيرة بدأت تضيع وقريباً تضيع التفاصيل الكبيرة. آه هل يمكن أن تكبر التفاصيل وتظل مجرد تفاصيل..".

ويتلك البساطة النفاذة الجارحة يقول القصيبي بلسان العريان "لم يعد مجرد شك.. حانت ساعة القرار. ودعتك وقلت لك إنني سأذهب بمفردي في رحلة عمل طويلة حول العالم..".

ويضيف "إلا أنك أدركت بإحساسك الفطري... أني بحاجة إلى الابتعاد عنك وعن زهير وهيفاء والناس كلهم... شددت الرحال إلى طبيبي الذي أصبح صديقي البروفسور جيم ماكدونالد رئيس مركز الزهايمر في جامعة جورج تاون".

والقصيبي يتناول في لفتات وإشارات سريعة وببعض التفصيل أحياناً أموراً مختلفة في الحياة من خلال تلك الرسائل وذلك الحديث البسيط من القلب إلى قلوب القراء وإن كان في الغالب موجعاً للقلوب.

وفي الرسالة الثانية يقول شارحاً مرضه لها وللقارىء مورداً المعلومات المؤلمة المحزنة بأسلوب سلس "أنا واثق أنك سمعت عنه من قبل، ولكني أشك أن لديك فكرة وافية عنه. ألزهايمر إذا أردنا الدقة ليس اسم المرض، ولكن اسم الجراح الألماني الذي اكتشف المرض الويس ألزهايمر". الذي اكتشف سنة 1906 بينما كان يجري جراحة لمريض تلفاً في الدماغ لم يلحظه من سبقه.

وأضاف يقول إن المرض قبل إن يحصل على اسمه هذا كان يعرف عند العرب باسم الخرف أو العته إلا أن الجراح الألماني اكتشف العلة في مريض لم تتقدم به السن "بينما الخرف التقليدي مرتبط بأرذل العمر. وهكذا أصبح مرض ألزهايمر يشير إلى الخرف الذي يجيء قبل أوانه... إلا أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن مرض ألزهايمر قد يجيء متأخرا شأن الخرف تماماً... هذا المرض باختصار خلل في خلايا المخ يبدأ بضعف الذاكرة ثم اختفائها، وينتهي بالوفاة".

ويورد مع المعلومات فكاهة سوداء، فيقول إن هذا المرض "مرض ارستقراطي جداً وإن عدداً من صفوة الصفوة في الغرب قد أصيبوا به"، وذكر عدداً محدوداً من الشخصيات منهم باري جولد، وهو سناتور ومرشح سابق للرئاسة في أمريكا، وريتا هيوارث النجمة السينمائية الشهيرة، وتشارلستون هستون ممثل الملاحم السينمائية الكبرى وغيرهم. وأضاف بأسى يتخذ شكل النكتة "وأشهرهم جميعاً الرئيس (الأمريكي الراحل) رونالد ريجان الذي قال.. هذا مرض جميل تقابل الأشخاص أنفسهم، وتظن أنك ترى وجوها جديدة كل يوم".

واستهل القصيبي رسالة أخرى من يعقوب إلى زوجته الحبيبة فيها بيت لأبي الطيب المتنبي يعبر عن مأساة المصاب بهذا المرض وهو "كفى بك داء أن ترى الموت شافياً/ وحسب المنايا إن يكن أمانياً".

وخلال السرد، يورد الكاتب وبالطريقة السلسة عينها معلومات متنوعة منها التاريخي والاجتماعي ومنها السياسي وعن عالم الفن والسينما ونجومها وقصصهم وعلم النفس وغيرها، ويأخذنا في رحلات تتحدث عن الحروب والقادة خاصة عبر أنواع من الحوار تقوم بين نزلاء المستشفى الفخم من المرضى ومن خلال حالات من "الصحو" من المرض لا تلبث أن تحجبها أمواج حزينة من غيبوبة الذاكرة أو من اختلاط الأمور بعضها ببعض. إنه يكتب "بكاء" يتخذ من السخرية وسلاسة التعبير قناعاً له.

وفي مثل عن ذلك يعرض علينا حديثا بين البطل والبروفسور، وهو زميل صديق له يتحدث في السياسة، ويظهر نفسه في صورة الدكتور هنري كيسنجر الذي كان وزيراً لخارجية الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن العشرين، وقام بدور كبير في الشرق الأوسط، وتساءل العريان هل البروفسور هو حقاً كيسنجر "أم أن ذلك جزء من هلوسة متطورة جداً... هنا يا عزيزتي يختلط كل شيء بكل شيء. تختلط الحقائق بالأوهام... وكل شيء هنا ممكن وكل شيء هنا مستحيل".

وفي إحدى الرسائل يتحدث عن تحكم الماضي بالإنسان، فيقول "قارني عدد الكتب التي تتحدث عن المستقبل وعدد الكتب التي تتحدث عن الماضي. أنا لا املك إحصائيات، ولكنني مستعد للمراهنة على أن كتب المستقبل لا تصل إلى 1 في المائة من كتب الماضي.. الذكريات والمذكرات والسير الذاتية وكتب التاريخ وكتب البكاء على الأطلال... والأمر لا يقتصر على الشيوخ أمثالي. حتى الأطفال الصغار يتحدثون عما كان "يوم كنا صغاراً"..." ويسخر من إسهام العرب في النتاج الفكري العالمي حالياً.

وفي إحدى الرسائل يتحدث عما يمكن وصفه بنعمة النسيان ثم عن " النسيان اللعنة" القتالة. يقول لها "بدا لي أن نسيان الأشياء السيئة لن يكون أمراً سيئاً. الأشياء السيئة أواه هل يوجد أكثر من الأشياء السيئة.. أليست الأشياء السيئة في طفولتنا سر العذاب الذي نعاني وطأته طيلة حياتنا طبقاً للعم فرويد وحتى أعداء العم فرويد... كما اعرف أن صديقي ألزهايمر لا يفرق بين شيء جيد وشيء سيء... يمحو كل شيء ولعله يمحو الأشياء الطيبة قبل الأشياء الرديئة... وعندما يذهب كل شيء أي معنى يبقى للسعادة.. ما هي السعادة... أليست مجموع التجارب السعيدة.. بلا ذاكرة لا توجد تجارب... لا يوجد سوى الفراغ.. فراغ الموت".

ويقول البطل إنه لا الحب ولا الإيمان اللذان يصنعان المعجزات يستطيعان أن ينتصرا على هذا المرض.

ويستشهد القصيبي هنا بكاتبة أمريكية هي إليانور كوني في كتابها "الموت في سرعة بطيئة" حيث تتحدث عن المريض وعن أحبائه من خلال قصة امرأة وأمها الحبيبة فتقول "إذا كنت لا تصدق أن الزهايمر يعادل الموت، فجرب أن تعيش معه سنة ونصف السنة. إنه أسوأ من الموت. في الفترة التي تسبق الموت يختفي المريض، ويحل محله شخص آخر يدعي أنه هو. وأنت عبر اللقاء اليومي الحميم مع المريض تصبح نسخة مرعبة شاحبة من نفسك القديمة. أنت بدورك تطور نوعاً من النسيان ذا طبيعة قاسية. لا يعود بوسعك أن تتذكر الشخص الطبيعي الذي عرفته قبل المرض".

ويضيف يعقوب العريان مخاطباً زوجته وعائلته قائلاً "لعلك أدركت لماذا هربت منك ومن الطفل والطفلة. لعلك أدركت لماذا أردت أن أجنبكم هذا السعير اليومي".

وتنتهي الأقصوصة بعنوان هو "مخرج" بدا أنه شكل بالفعل مخرجاً بل خلاصاً مبكراً كان المريض يتمناه وقد ورد خبره في رسالة وصلت إلى الزوجة من مدير المستشفى يبلغها فيها بوفاة زوجها قبل النهاية التي تصورها وذلك بنوبة قلبية "لم تكن ذات علاقة بالمشكلة التي كان يعاني منها.

أطبع هذه المقالة أطبع هذه المقالة | أرسلها لصديق أرسلها لصديق | علق على المقالة (1 تعليقات)
| Share |

تنويه: الآراء التي يعرب عنها زوار الموقع هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع آريبيان بزنس أو العاملين فيه.

تعليقات القراء (1 تعليقات)

الأسماء وألعطور والذاكرة
المرسل سليم الاعور مقاولات عامة, مونتريال, كندا في 15 كانون الأول 2010 - 20:58 بتوقيت الإمارات العربية المتحدة


رحم الله الاديب الراحل . النسيان حقاً من البامور الاشد أهمية في حياة البشر . اننا نسى الاامور الجميلة التي مرت ونبقي على البعض منها . اما الامور الصعبة التي مررنا بها تبقى بالذاكرة وبعض الاحيان لا ندري بها ونراها انطباع على الوجه . توحي بأن الفرح غائباً وأما دفين, أما قصة العطور فقد كنت برفقة صديق دخلنا محلاً للعطور في شارع الحمرا في بيروت فطلب من الفتاة ان تعطيه عطره المفضل ,فقالت ما هو عطرك المفضل ؟ فقال ماذا تعنين انه عطري المفضل ..قالت هل دخلت محلنا من قبل, هل تراه على الرف دلني عليه ,ما أسمه فقال انني متعجب من هذا السؤآل, لكل شيء اسم انا لي أسم , وأنت لك أسم , وللعطر أيضاً أسم ما أكثر الأسماء وخرج مثيراً للدهشة . وقال لي ما هو أسم الشارع ؟ ما أسمك ؟ ....

إضغط هنا لإضافة تعليقك

هل ترغب في التعليق على الموضوع؟
تتم مراجعة كافة التعليقات وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. يحتفظ موقع ArabianBusiness.com بحق حذف أي تعليق في أي وقت بدون بيان الأسباب. لا تنشر التعليقات المكتوبة بغير اللغة العربية، ويرجى أن تكون التعليقات ملائمة ومرتبطة بالموضوع المطروح.
الاسم:*
تذكرني على هذا الكمبيوتر
البريد الالكتروني: *
(لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني)
المدينة:
الدولة:
عنوان التعليق: *
نص التعليق: *


الرجاء انقر على كلمة "ارسال" مرة واحدة فقط. يتطلب نشر تعليقك على الموقع بعض الوقت.


آخر مقالات الموقع

    لا يوجد مقالات حديثة

آخر مقالات لثقافة ومجتمع

    لا يوجد مقالات حديثة
advertisement

روابط متعلقة بالموضوع

  1. وزارة العمل السعودية»

 بريد الأخبار

  1. وزارة الثقافة والإعلام السعودية

  2. وزارة العمل السعودية

  3. ثقافة ومجتمع


هل لديك خبراً جديداً؟ ارسله لنا!

الأكثر في ثقافة ومجتمع

    لا يوجد محتوى