غزو سعودي وهابي لصناعة السياحة المصرية

ثار جدل شديد في مصر على إثر قرار المالك السعودي لفندق جراند حياة في القاهرة الشيخ عبدالعزيز الإبراهيم، بحظر بيع الخمور في الفندق وإتلاف كميات من المشروبات الكحولية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات بإلقائها في النيل.

وفي الحقيقة كشفت ردود الفعل تجاه قرار الإبراهيم النوايا الحقيقية والتوجهات التي تدافع عنها العديد من الجهات في مصر ضد ما يعدونه زحفاً "وهابيا ًسعودياً" لأسلمة مصر على الطريقة السعودية.

وأبرزت الردود حقيقة النظرة التي ينظر بها للمستثمر السعودي في مصر من جهة، وإلى التوجه الديني للشعب السعودي الذي تخاف عدة أطراف من دخوله إلى مصر.

وإذا سلمنا أن لكل فعل ردة فعل معاكسة فإنه من الطبيعي أن تصدر ردود فعل من الأطراف المتضررة في مثل هذا القرار وهي: الجهات الليبرالية في مصر، و"لوبي" صناعة الخمور في مصر، وشركات السياحة المصرية، وزارة السياحة المصرية، وأخيراً التيار الفكري الذي يخاف من "سعودة" مصر.

ووضع قرار الإبراهيم الحكومة المصرية في مأزق فهي الآن بين مطرقة الخوف من ردود فعل الإسلاميين المعارضين لسياستها إذا ما تدخلت وسندان الخوف من عدم قدرتها على التحكم في قطاع السياحة الذي يعد شريان الحياة لها.

وإذا كان من الطبيعي أن يكون هناك ردة فعل فإنه من الطبيعي أن يكون هناك فعل. والإبراهيم مالك لفندق وللمالك حق التصرف كيفما يشاء في فندقه. وإن كان هناك من يعارض في مصر فهناك الملايين ممن يفتخرون بما صنعه.

فلننظر مثلاً ماذا قاله الكاتب المصري سليمان جودة في مقال له في صحيفة "المصري اليوم" تحت عنوان "لا ياشيخ" حتى نعرف الكثير عن النظرة الحقيقية للسعوديين والتي كانت خامدة مثل البركان لسنين طويلة حتى وجدت طريقها إلى الصعود بسبب تصدع في القشرة الأرضية أحدثه الإبراهيم.

يقول جودة (الذي أوضح في بداية المقال أنه لا يشرب الخمر ولايدعو إلى شربها): " أما الشيخ البراهيم فلست ضد قراره، بشرط أن يقيم فيما بعد فنادق للنساء، وأخرى للرجال، ثم يمنع التزاور بين النزلاء، في أي فندق من هذا النوع!!

أنت، كرجل أعمال، من حقك تماماً أن ترفض الدخول شريكاً في ملكية فندق يقدم الخمر، ومن حقك أن ترفض أن تكون مالكاً لأسهم في مصنع يقدمها للأسواق.. من حقك تماماً، وسوف أكون معك وأساندك مائة في المائة، ولكن ليس من حقك أن تستولي علي فندق، ثم تمنعه من تقديمها، ولا من حقك أن تملك شركة طيران ثم تمنع الطيران عليها لغير المحجبات والملتحين.. لا لشيء، إلا لأننا نتكلم هنا، عن سياحة عالمية.. لا محلية.. ولا دينية!"

ولننظر أيضاً إلى المخاوف التي أظهرتها "البي بي سي" في مقال كتبه أحد مراسليها تحت عنوان: "المالك السعودي لفندق فخم في القاهرة يحظر الكحول". وقالت "البي بي سي": ويسود الخوف من أن تحذو فنادق أخرى حذو جراند حياة، مما قد يشكل ضربة للقطاع السياحي، أحد الركائز الهامة للاقتصاد المصري.

وتقتبس الـ"بي بي سي" هنا مقولة لسليمان جودة يقول فيها :"اذا كان المالك يرغب بالاستثمار في القطاع السياحي فعليه الالتزام بقوانين اللعبة، وإلا عليه بيع فندقه للراغبين (بالالتزام بقوانين اللعبة)".

ونقلت الـ"بي بي سي" وجهة نظر الليبراليين في مصر الذين يعارضون قرار الإبراهيم ويقولون: "إن المسلمين ينتظرون أن يجدوا "اللحم الحلال" على متن الرحلات الجوية الدولية، وبالتالي عليهم احترام رغبات ضيوفهم الغربيين."

وتقول الـ"بي بي سي" أن الليبراليين المصريين يرون فيما حصل مثالا على استخدام السعودية نفوذها المالي لنشر مفهومها للإسلام في بلدان أخرى.

أما ما قاله المؤلف عزت القمحاوي لـ"البي بي سي" حول الموضوع فهو يعبر عن حقيقة المخاوف من أن ينشر السعوديون في مصر المبادئ الدينية الإسلامية التي يطبقونها في بلدهم. وبعبارة أخرى يعبر كلامه مخاوف بعض المصريين من "سعودة" مصر.

وقال القمحاوي: "إن ما حصل دليل على ما يستطيع الاستثمار السعودي في مصر عمله،" وأضاف:"بإمكانه خنق القطاع السياحي بفرضه الإسلام على غير المسلمين، وإجبار السمك المسلم في نهر النيل على السكر" مشيرا الى ما تردد عن إفراغ المشروبات الكحولية من قبل العاملين في فندق "جراند حياة" في نهر النيل.

وإذا ما علمنا أن العديد من الفنادق الفخمة الواقعة على النيل هي فنادق مملوكة لمستثمرين سعوديين فإننا سنفهم حقيقة الخوف الذي ينتاب وزارة السياحة المصرية و"لوبي" صناعة الخمور.

ولنتحدث قليلاً عن لوبي صناعة الخمور في مصر، وهي صناعة مربحة جدًا على الرغم من أن عدد الذي يشربون الخمور في مصر من أبنائها محدود جداً بالمقارنة بعدد سكان المحروسة. وبذلك تتركز غالبية مبيعات الخمور في مصر للسياح.

وكان في مصر شركتين لصناعة الخمور قبل عام 2001 وهما شركتي "الأهرام للمشروبات" وشركة "الجونة" التي كانت تمتلكها أسرة ساويرس المصرية. ولكن "الأهرام" استحوذت على "الجونة" في عام 2001 وأصبحت هي المسيطرة على السوق قبل دخول شركة "مصر الدولية للمشروبات" مؤخراً.

وبذلك أصبح السوق مغرياً جداً مما دفع بشركة "هينيكن" الهولندية لدخول مصر من خلال الاستحواذ على 98.7 في المائة من شركة "الأهرام" مقابل 280 مليون دولار. وتعتمد الأهرام اليوم على السياحة لترويج مشروباتها، ولهذا فإن قراراً مثل قرار الإبراهيم سيكون له أثر كبير على عدد زبائن الشركة وهذا أمر لن تسمح به الأهرام أو حتى "مصر الدولية للمشروبات".

ووزارة السياحة المصرية لا تريد أن تنتشر "صحوة الإبراهيم" الدينية بين أصحاب الفنادق الأخرى التي يسيطر على كثير منها السعوديون. وكل ما استطاعت وزارة السياحة المصرية فعله هو تهديد الإبراهيم بإنقاص عدد نجوم فندقه من خمس إلى أربع أو ثلاث ولكن الإبراهيم لم يبالي بذلك.

وشركات السياحة لا تريد أن تخسر أفواجاً من السياح لمجرد أن أصحاب الفنادق قرروا فجأة العودة إلى دينهم. والوطنيون الليبراليون يفكرون في سيادة مصر أمام المستثمرين الأجانب.

ولكن ما يهم من ذلك كله هو أن ما حدث أظهر أنه يوجد العديد من الأطراف والقوى في مصر تريد أن تقف حائلاً أمام رغبات الشيخ "الإبراهيم" التي تمثل في جوهرها السلفية والوهابية في نظر البعض وتمثل تهديداً لسيادة مصر أمام سيطرة رؤوس الأموال السعودية من وجهة نظر البعض الآخر.