الثروة المتاحة

ما تزال الفرص تبدو موجودة في أسواق الشرق الأوسط أمام تجارة المكونات، وذلك نتيجة لوجود أسواق ما تزال ناشئة تشهد استمرار أنشطة التجميع المحلي فيها، وهذه تنفرد على مستوى العالم في كون العلامات التجارية الأولى لم تتمكن من بعد من السيطرة عليها، وهذا ناتج عن الأسواق الخارجية التي تعمل أسواق دبي على خدمتها.

وقت تعاني منه مختلف قطاعات أسواق تقنية المعلومات من انعكاسات الأزمة المالية العالمية، يؤكد المتابعين والمطلعين على أسواق تجارة المكونات بأن الأنشطة لا تزال تصنف تحت بند "التجارة السليمة" بل ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليصفها بأنها أكثر القطاعات مرونة وأكبرها تجارات الكم اليوم.

وبعد أن توقع البعض أن تتلاشى هذه الصورة من التجارة قبل سنوات قليلة، في ما تزال تواصل رواجها بالرغم من المخاطر التي تواجهها، وانخافض عائدات الاستثمار فيها نسبيا.

ويصف محمد ياغي، مدير عام شركة "إتش إم بي" - التي تتخذ من دبي مقرا لها وتركز أعمالها في ميدان المكونات – هذه الأسواق قائلا: "مرت تجارة المكونات ومنذ فترة طويلة بمعاناة ومن قبل الأزمة المالية، والسبب أمرين، الأول المنافسة ما بين الشركات سواء على مستوى التوزيع أو البيع بالتجزئة أو حتى إعادة البيع. السبب الآخر هو عملية الانتقال من استخدام الكمبيوتر المكتبي إلى الكمبيتر الدفتري، مما انعكس على تجارة المكونات التي تدخل في خط تجميع الكمبيوتر المكتبي. ويمكن القول بأننا نشهد تراجعا منذ فترة طويلة حتى على مستوى المبيعات الإجمالية سنويا بسبب أن الكلفة الإجمالية تتراجع عاما بعد عام، وكل من يعمل في مجال المكونات يدرك تماما أن التحدي الأكبر الواقع عليه هو الحفاظ على حجم المبيعات التي يسجلها عاما بعد عام، ومن الطبيعي أننا نعيش تراجعا في هذه التجارة بغض النظر عن الأزمة المالية العالمية".

غير أن أسواق المعالجات والذاكرات وحتى الأقراص الصلبة سجلت معدلات نمو مثيرة في الفترة الأخيرة، وما تزال التفاؤل يرافق توجهاتها مستقبلا. غير أن هذا التفاؤل يبقى مصحوبا بحذر من تكرار ممارسات سابقة لبعض أطراف قنوات التوزيع الذين استغلوا هذا النشاط للتجارة في الحصول على السيولة النقدية لقاء بيع المنتجات بأسعار تقل أحيانا عن التكلفة، والعمل على توظيف هذه الأموال في مجالات استثمار تدر أرباحا سريعة تغطي هذه الخسائر.

لكن شهود خان، رئيس المبيعات والتسويق لدى "إمبا" شركة التوزيع الرائدة في ميدان تجارة المكونات يرى بأن الوضع قد تغير، ويقول: "لم نعد نشهد في الأسواق إقدام أشخاص على خفض أسعار المنتجات بهدف الحصول على السيولة النقدية كما كانت الحال في ظل الطفرة التي عاشتها أسواق الأسهم والعقار. وهذا مؤشر إيجابي سينعكس على تحسين دورة السيولة النقدية وتعزيز ربحية الأعمال".

ويعزي البعض هذه الممارسات سابقا إلى ثغرات في بعض برامج شركات التصنيع أتاحت إمكانية العمل على ذلك. لكن أشرف عميرة، الرئيس التنفيذي لدى شركة "هايكوم" يرى أن هنالك نقص في السيولة لدى جميع الأطراف عمليا، ويقول: "الحدود الائتمانية شهدت تراجعا من مختلف الأطراف، وهذا ما حد من الهامش الكبير المتاح من هذه التسهيلات، وبالتالي لم يعد هؤلاء الأطراف قادرين على تغطية هذه الفروق. غير أن هذه الممارسات لا تزال موجودة، ففي حال حصول طرف على المنتجات، لا يوجد ما يمنعه من البيع بأقل من الكلفة، لكن المشكلة تكمن في أنه لا يملك حقيقة هذه المنتجات لأنه لم يسدد قيمتها بعد لمزوديها. ولكن هذه الممارسات قلت بشكل ملحوظ، لأن تقليل هذه التسهيلات في الأسواق سيلغي طبقة كبيرة من التجار الذين يعتمدون فقط على هذه التسهيلات، إضافة إلى أن الشركات التي كانت تعتمد على تقديم هذه التسهيلات لشركات أصغر ستكون أكثر حذرا في التعامل معها مستقبلا. وأنا أعتقد أن هذا سيؤثر إيجابا على الأسواق مستقبلا، فطبيعة عمل هذه الشركات عادة ما تكون غير منظمة ولا تسعى لتحقيق أهداف واضحة، وهو ما يدع المنافسة إلى دائرة مظلمة. كما أن شركات التوزيع التي يتبادر إلى معلومها إقدام شريك على هذه الممارسات ستوقف توفير هذه التسهيلات له. فشركات التأمين باتت أكثر تشديدا، ولم تعد العلاقات تؤثر على هذه التسهيلات".

ويوافقه هشام طنطاوي، نائب الرئيس لدى "أسبيس" الرأي في ذلك، ويقول:" أعتقد أن العام 2009 شهر تراجع هذه الظاهرة بسبب الأزمة المالية العالمية، والتي تسببت أصلا في نقص توفر السيولة بشكل أساسي، غير أنها ما تزال تظهر في بعض المناطق لا سيما في دبي، إنما تبقى تحت الملاحظة، وكل تاجر يعمل على تسييل المخزون يبقى تحت المراقبة بل ويتعرض لوقف تزويده بالمنتجات.

ومن الممارسات التي نتبعها في "أسبيس" أننا نعمل على مراقبة هذا الجانب تحديدا، لأن من يعمد إلى تسييل مخزونه من المنتجات سيهرب من الأسواق بعد شهر من الزمان، والأمر بغاية الوضوح، ولا يخفى على أي من شركات التوزيع اليوم التي باتت بدورها تراقب هذه الممارسات وتتابعها".

لكن التوجه إلى محلات الكمبيوتر أصبح أمرا نادرا، وازدادت الثقة بمراكز البيع بالتجزئة التي باتت تنال احتراما أكبر مقارنة بغيرها. فطريقة العرض تعد من الأسباب الدافعة إلى ذلك، وفي الغالب يميل العميل إلى شراء المنتج بعد إطلاعه عليه.

وفي مجال قنوات التوزي ومعيدي البيع، يصعب عرض كل المنتجات التي تباع، وهي إحدى التحديات التي تواجهها هذه الشركات مع المصنعين، فالتجار يرغبون ببيع المنتجات على أرقامها التسلسلية، ولا يحبذ عرضها لأن ذلك يكون على حسابه الخاص، في حين لا يرضى العميل بشراء وحدة المنتج المعروضة، في الوقت الذي توفر صالات مراكز البيع بالتجزئة له فرصة تجربة وتشغيل المنتج والإطلاع عليه أثناء عمله، كما أن توفر بعض المزايا من اختيار شركات عالمية يمنحها ثقة العميل في انسجام وتوافق هذه المواصفات والمكونات مع بعضها البعض.