لمسة نسائية

وجود امرأة على رأس شركة إنشاءات تقدم خدمات عالية المستوى أمر نادر الحدوث في دول العالم بمجملها فما بالك ونحن نتحدث عن منطقة الشرق الأوسط.

أما بالنسبة إلى فاطمة عبيد الجابر - الرئيس التنفيذي للعمليات في مجموعة الجابر- فإن عالم الإنشاءات بما فيه من صعوبات وشدائد هو بمثابة موروث فطري بالنسبة لها.

ترعرعت فاطمة الجابر في وقت تزامن مع ازدهار ونمو شركة والدها، تلك الشركة التي بدورها واكبت تطور مدينة أبو ظبي حيث مقر الشركة. تعتبر شركة الجابر اليوم واحدة من أكبر الشركات وأكثرها رسوخاً في المنطقة في خدمات المقاولات وإنشاءات البنى التحتية والصناعية.

تقول الجابر: "لا زلت أذكر حين اصطحبني والدي معه إلى بعض مواقع الإنشاءات الخاصة به، رأيت الأمر ممتعاً ولمعت الأفكار في ذهني."

تولي قيادة الشركة والانطلاق بها إلى الأمام لم يكن الإنجاز الوحيد الذي أخذته الجابر على عاتقها. فبعد حصولها على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة الإمارات عام 1987 أصبحت الجابر شخصية بارزة في دائرة الأشغال العامة في بلدية أبو ظبي.

وتبوأت الجابر عدة مناصب في البلدية كان آخرها منصب الوكيل المساعد في دائرة مشاريع البناء.

تقول الجابر: "في واقع الأمر، العمل في الإنشاءات لا يختلف عن العمل في مجالات أخرى سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو الخاص. وكإمرأة، لايعدو الأمر كونه تعوداً. هناك القليل جداً من النساء اللواتي يعملن في قطاع البناء الآن ولكننا سنشهد قدوم المزيد منهن مع مرور الوقت."

في عام 2005 تركت الجابر العمل في الحكومة وانضمت إلى القطاع الخاص.

تقول: "إنه الوقت المناسب للعمل في القطاع الخاص خاصة في ظل مجمل التغييرات في الحكومة الجديدة والكثير من التطورات حيث ليس لدى الحكومة الآن الرغبة في إقامة أية مشاريع وإنها توكل ذلك إلى القطاع الخاص."

"كل يوم هناك شئ جديد، مشاريع جديدة، تحديات جديدة، وأناس جدد تقابلهم - إنه عمل غير جامد وأنا أستمتع بخلق علاقات جديدة مع الناس وإكتشاف آفاق جديدة."

مع مرور السنين، توسعت مجموعة الجابر - والتي هي شركة عائلية بأغلبها - لتشمل العناصر الأساسية الضرورية لنجاح مشاريع الإنشاءات، سواءاً كان ذلك في العقارات أو البنية التحتية أو في قطاع النفط والغاز.

ويتطلب هذا العمل توفير الكثير من الخدمات مثل العقود، التصميم الميكانيكي والكهربائي MEP والمواقع ومواد البناء والمنشآت بالإضافة إلى الإمدادات وتجميل الأماكن العامة وما إلى ذلك.

تتكون الشركة من حوالي 30 فرعاً ومقرا تابعاً. منها شركة الجابر للهندسة والمقاولات ALEC، والجابر لخدمات الطاقة، الجابر للنقل والمقاولات العامة والجابر لشق الأنفاق والأعمال الميكانيكية.

من ناحية المنشآت وتوريد الموارد هناك شركة خلط الإسمنت "اكستراميكس كونكريت سلوشنز" والجابر لسحب الألمنيوم والجابر للرافعات الثقيلة.

يأتي حوالي 70% من عائدات الشركة من عقود الإنشاءات.

قالت الجابر: "جعلنا بنية الشركة تقوم على مجالات عمل أربع هي: التعاقد ، التصنيع ، التجارة ، والإمدادات. أنا أراقب أداء هذه الأقسام ولكن لكل منها مديره التنفيذي الخاص."

مع الضغوط المرافقة لإدارة شركة إنشاءات كبرى كهذه، ومع وجود عدد لايحصى من المشاريع التي تؤول إليها، قالت الجابر التخطيط الجيد هو مفتاح ضمان سير العمل بشكل سلس.

"إنه أمر صعب بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء وخاصة مع تلك السرعة التي تحدث فيها التغييرات هنا. ولكنك تعتاد على معايشة ذلك يومياً. في قطاع الإنشاءات، عليك أن تخطط للأمام. نحن حذرون جداً فيما يخص التوسع في عملنا والمشاريع التي نستلمها: عليك تخطيط مواردك بطريقة ذكية جداً للتغلب على المشكلات."

توجه شركة الجابر تركيزها بشكل كبيرعلى تعزيز أعمالها وأنظمتها إضافة إلى الكوادر البشرية فيها.

"في الوقت الراهن، يريد معظم المتعاملين انجاز مشاريعهم بسرعة كبيرة. لذا يبحثون عن مقاول حذق للغاية دونما إغفال لأمور أخرى مثل السلامة والنوعية والأنظمة الداخلية والتحكم بالتكلفة. ولهذا تجدنا نركز على تعزيز مواردنا وأنظمتنا الداخلية بشكل نستطيع معه مساعدة المتعاملين معنا في الحصول على مبتغاهم."

أنشأت شركة الجابر أسطولا يتألف من حوالي 8000 وحدة من المعدات والتجهيزات وهي الآن في طور وضع نظام للتحكم بهذا الأسطول. وأضافت الجابر : "سيساعدنا نظام التحكم هذا في تحقيق أداء أقصى ومعرفة الأعداد المستخدمة وكيفية وضع خطط لكل مشروع."

إن وفرة مشاريع الإنشاءات المتوفرة عبر المنطقة كانت السبب في جعل الشركة انتقائيةً جداً فيما يخص نوعية العمل الذي ستقبله ونوعية الزبائن الذين ستتعامل معهم.

قالت الجابر: "أعتقد أن التحدي الرئيس أمام جميع الشركات في الوقت الحاضر هو مواكبة النمو الكبير في الأعمال الإنشائية- لا يمكنك أن تتخيل الكم الهائل من الأعمال المتوفرة."

وأضافت : "على المقاول أن يكون حذراً ضمن هذا الإطار وخاصة فيما يتعلق بانتقاء العقود ونوعية المتعاملين بشكل صحيح. أحياناً قد تختار متعاملاً فقط لمجرد وجود مشروع لديه، أما الآن فإنك تختارهم لتؤسس لعلاقة عمل معهم على المدى البعيد. نحن نركز على المطورين الأساسيين وعلى إيجاد شراكة مع أولئك الذين في مقدورنا تطوير أعمالنا معهم في المستقبل. على سبيل المثال شركة الدار العقارية.

شهدت الجابر أيضاً التغيير الذي حدث في طريقة اختيار المقاولين لتنفيذ المشاريع: "لقد تغيرت مبادئ التقدم بالعروض. نحن لا نشارك في المناقصات العلنية، وعادة يتساءل المتعاملين عما إذا كنا نرغب بمناقشة العقد معهم. يبحث معظم أصحاب المشاريع عن مقاولين يعتمد عليهم وعن علاقات طويلة الأمد. وهكذا عند البدء بعمل صغير عادة ما تجد نفسك تناقش مجموعة أعمال قادمة."

معظم أصحاب المشاريع في أبو ظبي يعيدون النظر في تصاميم مشاريعهم وتم توقف العمل كلياً ببعض المشاريع كي تتوافق مع خطة أبوظبي المدنية لعام 2030.
وضع المخطط من قبل سلطة الشؤون التنفيذية وهي بانتظار الحصول على الموافقة النهائية من حكومة أبو ظبي ويتضمن تنظيم شبكات المواصلات والمرافق العامة وتطوير البنى التحتية في أنحاء دولةالإمارات.

وحسب ماقالت الجابر، سيساعد هذا التحرك أصحاب المشاريع والمقاولين على تخطيط مشاريعهم بشكل أفضل.

"تكمن المشكلة في الوقت الراهن في أن الأمور ليست متكاملة بعضها ببعض. نعم، نحن نعمل جنباً إلى جنب مع أصحاب المشاريع للمناورة تفاديا لهذه الأمور، ولكن الصورة العامة غير واضحة. أظن أن مخطط أبو ظبي 2030 سيجعل الأمور أكثر وضوحا بالنسبة للمستثمرين وصناعة الإنشاءات بشكل عام، كما سيعطينا هذا المخطط صورة دقيقة عما سيحدث في أبو ظبي خلال الثلاثين عاما القادمة."