مطالب مجموعة الـ 20 جعجعة بلا طحن

«نسمع جعجعة ولا نرى طحناً». بهذه العبارة الشديدة التعبير لخصت مجموعة من المراقبين وجهة نظرها في نتائج الاجتماع الذي عقدته مجموعة الدول الـ 20 أو مجموعة الدول الناشئة ومجموعة الدول الكبرى منتصف الأسبوع الماضي في مدينة ساوباولو البرازيلية للبدء بتغيير النظام المالي والاقتصادي العالمي المعمول به منذ أكثر من 64 عاما.

هل تتحالف الدول الناشئة مع الدول الكبرى لحل معضلة الاقتصاد العالمي الراهنة؟ . وهل تسمح الدول الكبرى للدول الناشئة بدخول النادي الاقتصادي العالمي الفعال تحت وطأة الضغوط التي تواجهها اقتصاديات الدول الكبرى؟.

وهل سيتغير النظام المالي العالمي في غضون سنتين كما توقع روبرت زوليك رئيس البنك الدولي الأسبوع الماضي ؟ الإجابة على هذه الأسئلة قد تكون صعبة حاليا.

فبعد مداولات استمرت يومين في ساوباولو، وبعد أن كان الهدف هو زيادة الدور الذي تلعبه الدول الناشئة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، فإن وزراء مالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة العشرين التي تشمل الدول المتقدمة وكبرى الدول الناشئة، لم يستطيعوا إعلان أي إجراء محدد لتنفيذ هذا الهدف.

والمسئولون الذين اجتمعوا للتحضير لقمة 15/ 11/ في واشنطن أكدوا أن «الأزمة العالمية بحاجة إلى حلول شاملة ومجموعة مبادئ مشتركة» كما.

اتفقوا على ضرورة إجراء إصلاح جذري للمؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين أنشئا غداة الحرب العالمية الثانية، وتهيمن عليهما الولايات المتحدة وأوروبا ويعكسان وزن الدول الناشئة المتزايد في الاقتصاد العالمي، على غرار الصين والهند والبرازيل.

وكان قادة الدول الأوروبية الـ 27 قد دعوا خلال اجتماعهم الأخير في بروكسل إلى إعادة تشكيل سريع للنظام المالي الدولي، وطالبوا بتحقيق نتائج على هذا الصعيد اعتبارا من بداية 2009 أي فور تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما مهامه رسميا.

البرازيل تطلب

واستجابة لطلب البرازيل، أكدت مجموعة العشرين على ضرورة إسماع صوت الاقتصاديات الناشئة واقتصاديات الدول النامية وتمثيلها في تلك  المؤسسات.

وقال الوزراء في بيانهم المشترك «نشدد على ضرورة إصلاح مؤسسات برايتون وودز بشكل معمق لتعكس بشكل أفضل توازن الاقتصاديات في فلك الاقتصاد العالمي وتتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية».

كما قررت دول المجموعة «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإعادة الثقة والاستقرار إلى الأسواق وتقليص خطر حدوث أزمة جديدة» لكنها لم تحدد أية إجراءات بهذا الصدد.

ووضع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في المجموعة الإطار العام لأجندة قمة واشنطن التي تنعقد للنظر في مسببات أسوأ أزمة مالية عالمية منذ 1929 وهي الأزمة التي حدثت على خلفية تفاقم أزمة الرهن العقاري  الأمريكية وتسببت في إفلاس نحو 20 مصرفا عالميا حتى الآن وبخسائر فادحة لا تزال مستمرة في أسواق المال العالمية.

وألمح الوزراء في بيانهم الختامي وكذلك في التصريحات التي أدلوا بها إلى أن المجموعة تتفق بشكل كبير حول ضرورة إعادة ترتيب القوى الاقتصادية في العالم، «فليس من المنطق أن تحظى أمريكا وأوروبا بصوت عال في الاقتصاد العالمي رغم وجود اقتصاديات ناشئة وتلعب دورا كبيرا في النظام المالي العالمي».

وقررت المجموعة «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإعادة الثقة والاستقرار إلى الأسواق وتقليص خطر حدوث أزمة جديدة». كما أكدت ضرورة أن يضطلع صندوق النقد الدولي «بدور قيادي في هذا المجال، انسجاما مع مهمته».

خبر سار

كما قرر الوزراء أيضا تعزيز «فعالية» مجموعة العشرين وتحدثوا عن إمكانية عقد اجتماعات لهذه الغاية. كما دعوا أيضا إلى رقابة أو إشراف على كل قطاعات الصناعة المالية وفقا لما هو مناسب، وهي لغة يبدو أنها تعكس تباين وجهات النظر بين الدول حول كيفية التعامل مع قطاعات مثل صناديق التحوط رغم أن وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد أعلنت خلال مؤتمر صحافي أن دول مجموعة العشرين أظهرت «تطابقا في وجهات النظر للرد على الأزمة المالية العالمية».

وفي ما يتعلق بالرد على الأجل القصير قالت الوزيرة أن «كافة دول مجموعة العشرين متفقة على ضرورة إعادة تنظيم الشبكات المالية». وشددت لاغارد على ضرورة تحقيق انتعاش مالي رغم انكماش الاقتصادات الكبرى في العالم (الولايات المتحدة، أوروبا، واليابان) في العام 2009 ، لكن صندوق النقد الدولي يتوقع تراجع نمو الدول الناشئة.

واعتبرت لاغارد أن إعلان الصين عن خطة إنعاش اقتصادي بقيمة 4 آلاف مليار يوان (586 مليار دولار) حتى نهاية 2010 تهدف إلى تحفيز الطلب الداخلي للتصدي لتباطؤ نمو إجمالي الناتج الداخلي وركود الصادرات، هو بمثابة «خبر سار».

وأضافت لاغارد أن هناك ضمن مجموعة العشرين «مجموعة تحليل تشدد على ضرورة دعم الاقتصادات والحرص على أن تكون كافة الاقتصادات مشمولة بهذه العملية خصوصا اقتصادات الدول الناشئة تفاديا لمعاناتها من الأزمة المالية لفترة أطول من الدول المتقدمة».

دور أكبر

من جانبه قال وزير المال البرازيلي غويدو مانتيغا إن غالبية الدول الناشئة الكبرى تعتبر أن على مجموعة العشرين أن «تضطلع بدور أكبر» في التحرك الواجب اتخاذه لمواجهة الأزمة المالية وانه لا يمكنها أن تبقى «في مستوى أدنى» لجهة اتخاذ القرارات. واقترح أن ترفع اجتماعات مجموعة العشرين من المستوى الوزاري إلى مستوى رؤساء الدول.

يذكر أن مجموعة العشرين تضم مجموعة الدول السبع الكبرى  (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، وكندا)، فضلاً عن الأرجنتين وأستراليا والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية إضافة إلى تركيا.

وتضم مجموعة العشرين 85 % من إجمالي الناتج الداخلي للعالم وثلثي عدد سكانه.

ويذكر أيضا أن الاتحاد الأوروبي هو عضو بدوره ويمثله خلال اجتماعات المجموعة الرئيس الدوري للمجلس إلى جانب المصرف المركزي الأوروبي. وتمثل هذه المجموعة 90 في المائة من اقتصاد العالم.