البقاء أم الرحيل؟

" 10 دولارات سعر الخسة الواحد، لا بد أنك تمزح !!! "

من الطريف كيف يقيس البعض ارتفاع تكاليف المعيشة في مكان ما، ولكن الأمر ليس بتلك الطرافة عندما تناقش شركات كبيرة جدياً جدوى بقائها في بعض الدول الخليجية واحتمال انتقالها خارج المنطقة.

وقائمة المنغصات التي قد يعاني منها هؤلاء تطول....فمن ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم في الآونة الأخيرة إلى رسوم إضافية تفرض من جميع الجهات يمنة ويسرة وعلى الكثير من الخدمات وحتى الحديث عن احتمال فرض ضريبة على......الدخل وقد يصبح هذا حقيقة واقعة.

ومؤخراً صدر تقرير عن مؤسسة استشارات الموارد البشرية الكندية "ميرسر" مفاده أن التكاليف المرتفعة المترتبة على جلب العمالة الوافدة أصبح يشكل عبئاً متزايداً على أصحاب العمل في دبي. كشف التقرير عن أن متوسط رواتب الوافدين ارتفع بنسبة تزيد عن 6% عام 2006، في حين ارتفعت المخصصات اليومية بما يزيد عن 20%، وأن الشركات متعددة الجنسيات تدفع الآن في المتوسط 475 دولار يومياً للوافدين التنفيذيين العاملين بموجب عقود قصيرة الأجل في إمارة دبي.
 
وأخبرني رئيس مركز "ميرسر" في الإمارات الدكتور ماركوس ويسنر بأن ارتفاع الرواتب سببه الارتفاع الهائل في أجور الإقامة  في الفنادق والعقارات المستأجرة، فقد ارتفعت أجور الإقامة في الفنادق من 273 دولار إلى 393 دولار في دبي خلال العامين المنصرمين فقط  وهو مؤشر أكثر دلالة من الحديث عن عشر دولارات للخسة الواحدة ربما.

وقال لي الدكتور ويسنر إنه من الصعب جداً تحديد نسبة ثابتة للتضخم ضمن مدينة دبي ودول الخليج عامة وأضاف بأنني لم أكن مخطئاً بتحديد نسبة التضخم بـ 10%، وهذه النسبة تعد عالية وتدفع التجار بعيداً عن افتتاح محال تجارية هنا على سبيل المثال.

من الطبيعي أن تصبح المعيشة في الدول الناشئة والممتدة أكثر كلفة بسبب ازدياد السكان والانجازات المحققة. ولكن بفضل ماتم إنجازه في المنطقة فإن الشركات تعيد النظر الآن وبشكل جدي حول استراتيجات عملها في الشرق الأوسط، وليس أية شركات - فقد سرت شائعات تقول أن شركات "آي بي ام" و "اتش اس بي سي" و"فودافون" التقت مع كبار مدرائها في غرف الاجتماعات الخاصة بهم ليحددوا ما إن كان الخليح هو سوق يستحق استمرار العمل فيه. حتى أن الشركات المحلية العملاقة هي على استعداد أيضاً للرحيل والانتقال إلى مناطق أقل تكلفة. على سبيل المثال يقال أن شركة " ام تي سي" للاتصالات هي على وشك مغادرة الكويت إلى البحرين أو أمستردام. يا للطرافة... شركة كويتية ضخمة تستقل أول طائرة معادرة البلاد في نفس الأسبوع الذي بدأت فيه شخصيات حكومية كبيرة بالهمس إلى الصحافة بأن ضريبة على الدخل قد تظهر قريباً على السطح. هل هي مصادفة؟ لا أظن ذلك. ربما أعرف الجواب لو كنت مديراً مالياً في شركة "ام تي سي"  كنت سأسمع ذاك المدير متبادلاً الحديث مع رئيسه في العمل وبشكل عفوي في أحد ممرات الشركة قائلاً : "سمعت أن السعودية ممتعة بشكل خاص في هذا الوقت من العام . " حقاً يا فيليب لماذا تقول ذلك ؟". " حسناً يا ديريك إن أسعار الآجارات أقل بعشر مرات من أي مكان آخر".

في الأشهر وربما السنين القادمة ومع ازدياد حجم التضخم أكثر وأكثر وعدم قدرة الرواتب على المواكبة فإنني أتوقع تدفقاً مستمراً للشركات خارج مناطق العمل الخليجية المعتادة إلى مناطق أقل رفاهية بهدف إيجاد أماكن أرخص وأقل تكلفة ترسو فيها.

ربما هذه هي التكلفة الحقيقة لشراء خسة واحدة بعشر دولارات.